أعربت منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا عن بالغ قلقها من المحتوى الذي تمّ تسريبه لـ "مدونة قواعد السلوك الخاصة بالمنظمات غير الحكومية المشاركة في عمليات إنقاذ المهاجرين في البحر" (يشار إليها في ما يلي بـمدونة قواعد السلوك) والتي زُعم أنّ إيطاليا قد صاغتها في هذا الشهر. تعرب محامون من أجل العدالة في ليبيا عن قلقها من ان مدونة قواعد السلوك من شأنها تعريض حياة المهاجرين وطالبي اللجوء للخطر، فضلاً عن أنها تمثّل محاولةً خطيرةً "لإغلاق المجالات" وتقييد نشاطات منظمات المجتمع المدني.
يشكّل عبور البحر الأبيض المتوسط بالقوارب الوسيلة الأكثر شيوعاً التي يعتمدها المهاجرون وطالبي اللجوء عبر ليبيا من أجل بلوغ الاتحاد الأوروبي من دون الموافقة المسبقة للدول الأعضاء. ويشار إلى هذا الطريق بطريق المنطقة الوسطى للبحر المتوسط، وهو طريق بالغ الخطورة، إذ أفادت التقارير أنّ 4576 شخصاً قد لقوا حتفهم أو فقدوا فيه في العام 2016 وحده. وقد لعبت المنظمات غير الحكومية دوراً فاعلاً في إنقاذ ما يزيد عن 46000 شخص حاولوا سلوك طريق المنطقة الوسطى للبحر المتوسط في العام 2016، ما يعادل أكثر من 26 بالمئة من مجموع عمليات البحث والإنقاذ.
يشار الي ان ايطاليا قد قامت بصياغة مدونة قواعد السلوك، عقب اجتماعٍ بين وزراء الداخلية الفرنسي والألماني والإيطالي والمفوّض الأوروبي للهجرة والشؤون الداخلية، عقد في 2 تموز/يوليو 2017، بهدف تنظيم نشاطات المنظمات المشاركة في عمليات الإنقاذ البحري. وفيما تعتبر محامون من أجل العدالة في ليبيا أنّ تعزيز التنسيق بين المنظمات غير الحكومية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي أمر مطلوب لإسعاف حياة المهاجرين أثناء عمليات الإنقاذ، لكن لا يبدو أنّ مدونة قواعد السلوك التي تمّ تسريبها تمثّل الجهد الرامي لحماية حقوق الإنسان وحياة المهاجرين، وإنما هي محاولة مضلّلة لخفض معدّلات الهجرة إلى أوروبا. فقد تضمّنت المدونة تحذيراً ينبّه إلى أنّ "عدم التوقيع على هذه المدونة أو الامتناع عن احترام الواجبات المنصوص عليها فيها قد يؤدي إلى رفض الدولة الإيطالية منح الإذن بدخول مرافئها الوطنية..."، وهو ما يقوّض الغاية الأساسية من بعثات الإنقاذ، ألا وهو نقل الأشخاص العالقين في البحر إلى مكانٍ آمن من دون استثناء ومن دون أيّ تأخير.
تعقيباً على ذلك، أكّدت فيريتي ألتاراس، منسّقة برنامج الهجرة في محامون من أجل العدالة في ليبيا: "تعمل المنظمات غير الحكومية بلا كللٍ أو ملل من أجل إنقاذ حياة الآلاف من المهاجرين وملتمسي اللجوء المعرّضين للخطر في طريق المنطقة الوسطى للبحر المتوسط. ويجدر بالحكومات الأوروبية، عوضاً عن فرض قواعد مثقلة بالالتزام على هذه المنظمات، أن تتعاون معها من أجل حماية الحقوق الأساسية للمهاجرين وملتمسي اللجوء. إذ يجب نقل كلّ شخص يتمّ إنقاذه في البحر إلى مكانٍ آمن على وجه السرعة، ومنحه إمكانية الاستفادة من نظام لجوء عادل وفعال."
تحدثت تقارير ُنشرت مؤخراً عن إقدام خفر السواحل الليبي على الاعتداء على بعض الأفراد، وإغراق القوارب باستخدام الأسلحة النارية، أثناء القيام بعمليات البحث والإنقاذ. ومن شأن مدونة قواعد السلوك، إذا ما نفذت، أن تمنع المنظمات غير الحكومية من التدخل إذا ما شهدت على وقوع حوادث من هذا النوع، بما أنها تقيم "حظراً مطلقاً على دخول المياه الليبية" و " إلزاماً بعدم عرقلة مسار عمليات البحث والإنقاذ التي يجريها خفر السواحل الليبي". وبالتالي، تعرّض مدونة قواعد السلوك حياة الناس للخطر، وتعرّضهم للوقوع ضحايا لانتهاكات حقوق الإنسان.
كما عمدت بعض مواد مدونة قواعد السلوك إلى فرض "التزامات" على المنظمات غير الحكومية تتعارض مع استقلالية هذه المنظمات وتحمّلها مسؤوليات غير ملائمة تليق أكثر بقوات حرس الحدود. وتتضمّن هذه الالتزامات الملقاة على عاتق المنظمات غير الحكومية ضرورة "نقل جميع المعلومات ذات القيمة الإخبارية أو الاستقصائية إلى أجهزة الشرطة الإيطالية" "وتسليم بمبادرة خاصة منها أو عندما يُطلب إليها ذلك، أيّ غرض يمكن أن يشكّل إثباتاً أو دليلاً على ارتكاب فعل غير قانوني". جدير بالذكر أنّ المنظمات غير الحكومية التسع المشاركة حالياً في عمليات البحث والإنقاذ هي منظمات مساعدة إنسانية مفوّضة بشكلٍ أساسي بإنقاذ حياة الناس المعرّضين للخطر في البحر. ومن غير الأخلاقي وغير الملائم إلى حدّ بعيد إجبار هذه المنظمات على القيام بدورٍ فاعلٍ للمساعدة في نشاطات إنفاذ القوانين.
هذا وقد صيغت أحكام مدونة قواعد السلوك بلغةٍ مبهمة وتضمّنت شروط التزام بُنيت على معايير غير محدّدة، من قبيل الحاجة "للتعاون بوفاء" مع المسؤولين في الدولة، وهو أمر يدعو بدوره للقلق. ومن شأن هذه الصياغة الرديئة، إذا ما تمّ اعتمادها، أن تؤدي إلى حرمان المنظمات غير الحكومية غير الموقعة على مدونة قواعد السلوك من دخول المرافئ الإيطالية، في حين يمكن أن تتهم المنظمات الموقّعة بعدم الالتزام بالشروط على نحوٍ تعسّفي لتمنع هي الأخرى من دخول المرافئ الإيطالية.
أكّدت إلهام السعودي مدير محامون من أجل العدالة في ليبيا بقولها: "تشكّل مدونة قواعد السلوك مثالاً على اتجاهٍ متنامٍ لاستخدام الدول القانون المرن من أجل إغلاق المساحات المشروعة التي تعمل منظمات المجتمع المدني في إطارها. تحاول السلطات الإيطالية إجبار المنظمات التي تقوم بأعمال الإنقاذ على وقف نشاطاتها أو تنفيذها بطريقةٍ محدودة ومسيّسة. هي محاولة فرض قيود على الجهات التي تتفهّم مدى خطورة الوضع وتسعى لتقديم المساعدة، وبذلك تستخدم حياة الناس كضمانة إضافية."