اليوم، يقدّم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية (المحكمة)، كريم خان (المدعي العام)، إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إحاطةً بشأن أعمال مكتبه المتعلّقة بليبيا بعد مرور عام على تقديمه خارطة الطريق المحدّثة للمساءلة في ليبيا.
فبعد أن استلم كريم خان مهامه كمدّعٍ عام للمحكمة الجنائية الدولية في يونيو 2021، كان في انتظاره في مكتبه سجلّ مخيّب للآمال بشأن ليبيا. وفي شهر مايو 2022، أطلق مكتب المدعي العام خارطة طريقٍ جديدة مقدّماً فيها الفرصة لعكس مسار عشر سنوات من النتائج الملموسة القليلة جداً التي حققتها المحكمة حتى الآن. وجعلت خارطة الطريق من ليبيا أولويةً لمكتب المدعي العام، تماشياً مع إحالة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 2011.
اليوم، وبعد مرور عام، ما مدى التقدّم الذي أحرزه مكتب المدعي العام فيما يتعلّق بتنفيذ خارطة الطريق؟ تقيّم محامون من أجل العدالة في ليبيا المبادئ الأساسية لخارطة الطريق وتسأل عن الخطوات المقبلة.
التعجيل بالنتائج من خلال توفير موارد إضافية
تضمّنت خارطة الطريق وعداً بتخصيص موارد إضافية لليبيا من أجل التعجيل بمسار التقدّم بالتحقيقات، وتطوير فئة جديدة من طلبات أوامر القبض كمعيار أساسي في هذه العملية. ومن الخطوات الإيجابية التي صبّت في هذا الاتجاه، صدور التقرير الرابع والعشرين للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بعد ستة أشهر على إطلاق خارطة الطريق والذي أكّد فيه على التحاق موظفين إضافيين بمكتبه، بمن فيهم متحدّثون باللغة العربية من أجل دعم تحقيق هذه الجهود. كما أعلن مكتب المدعي العام أيضاً عن تقديم طلبات جديدة لأوامر القبض إلى الدائرة التمهيدية، ومن المتوقع أن يتناول المدعي العام التحديثات بشأنها في جلسة الإحاطة المزمع انعقادها اليوم.
بيد أنّ التقرير الرابع والعشرين أشار أيضاً إلى أنّ محدودية الموارد لا تزال تمثل تحدياً مستمرّاً. وفي سياق تدهور الوضع في ليبيا، كما أضاءت على ذلك البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، فإنّ على مجلس الأمن التابع لحقوق الإنسان والدول الأعضاء فيه ضمان حصول المحكمة على موارد ملائمة لقيادة المزيد من التحقيقات في الجرائم المتواصلة في ليبيا، والتي تقترفها مجموعة منوعة من الجناة يومياً في ظلّ إفلات تامّ من العقاب.
زد على ذلك أنّ أوامر القبض وحدها لا تحقق العدالة. وينبغي لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والدول الأعضاء تزويد المحكمة بدعمٍ فعّال في سياق توقيف المشتبه بهم المطلوبين ومطالبة السلطات الليبية أيضاً القيام بالمثل.
تمكين الضحايا والمجتمعات المتضرّرة وتوطيد العلاقة مع المجتمع المدني
تعهّدت خارطة الطريق بتمكين الضحايا، والشهود والمجتمعات المتضرّرة من أجل "المساهمة بشكلٍ ملموس" في عمل المحكمة، بما في ذلك من خلال تنفيذ "برامج توعية فعالة ومنسّقة." تحقيقاً لهذه الغاية، أفاد التقرير الرابع والعشرون أنّ المكتب حافظ على "حضور بشكل كاد يكون مستمراً" في المنطقة، وتوفير الدعم النفسي الاجتماعي والحماية للشهود والناجين. ومن شأن هذه الخطوات حتماً أن تحقق الكثير على درب تعزيز مشاركة المكتب مع الضحايا والمجتمعات المتضرّرة.
ورغم ذلك، ليس من الواضح إلى أيّ مدى يتعاون مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية مع أجهزة المحكمة الأخرى مثل قسم التوعية ومشاركة الضحايا. ولا شكّ أنّ الحاجة ملحّة لذلك لضمان أن يكون الضحايا على علمٍ بحقوقهم بموجب نظام روما الأساسي ولا يتمّ إشراكهم كمجرّد شهود محتملين في التحقيقات، إنما أيضاً كأصحاب حق. ويعتبر هذا التعاون حيوياً لضمان إحقاق حقوق الضحايا بموجب نظام روما الأساسي، بما في ذلك إمكانية المشاركة في أي إجراءات مستقبلية محتملة.
ووفقاً لخارطة الطريق، كان يُقصد بالحضور الميداني المعزّز لمكتب المدعي العام أن يسهم في تحسين الاتصالات مع منظمات المجتمع المدني الليبية، بما يتسق مع الالتزام الأوسع نطاقاً الذي عبّر عنه المدعي العام، والمتمثّل في تعزيز المشاركة مع المجتمع المدني عبر جميع السياقات.
ومع ذلك، فإن الأعمال الانتقامية المتزايدة والأنظمة الصارمة التي تفرضها السلطات الليبية تزيد من الخطر الذي يهدّد وجود المجتمع المدني نفسه الذي يعمل داخل ليبيا، وغالبًا ما يكون أولئك الذين يهاجمون المجتمع المدني هم الجهات الفاعلة نفسها التي ترتكب جرائم خطيرة تندرج ضمن اختصاص المحكمة. وقد أعرب أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في بيانٍ صدر مؤخراً عن أهمية تهيئة بيئة آمنة للمجتمع المدني. وينبغي أن تكون الإحاطة المقبلة بمثابة فرصة متاحة للمدعي العام ولمجلس الأمن لتكرار هذه الدعوة ومطالبة السلطات الليبية صراحة بأن توقف فوراً حملة القمع الجارية.
كما ينبغي لمكتب المدعي العام أيضاً أن يؤسّس إجراءات حماية لمنظمات المجتمع المدني المعرّضة للخطر بسبب مشاركتها مع مكتب المدعي العام.
تعزيز التعاون مع السلطات الوطنية الليبية
وركّز مبدأ أساسي آخر ضمن خارطة الطريق على تعزيز التعاون مع السلطات الوطنية الليبية من أجل "تنفيذ فعال لمبدأ التكامل". وبناءً عليه، فقد قامت نائبة المدعي العام بزيارة رسمية إلى ليبيا في يونيو 2022، تبعتها زيارة أخرى قام بها المدعي العام في نوفمبر 2022، التقى خلالها أيضاً بخليفة حفتر، قائد القوات المسلّحة الليبية، الجماعة المسلّحة التي نصّبت نفسها بنفسها وأحد أكبر المسؤولين المزعومين عن الجرائم الدولية في ليبيا. وهو ما يشكّك في حياد المحكمة، والالتزام الصادق لمكتب المدعي العام في السعي إلى تحقيق العدالة للضحايا.
لا يتوفّر الكثير من المعلومات لإظهار أن السلطات الليبية تتوفّر لديها حاليًا القدرة أو الإرادة لإخضاع الجناة للمساءلة في ليبيا كما يتضح، على سبيل المثال، من خلال حملات القمع التي تشنّها السلطات ضدّ المجتمع المدني وهو الذي يبذل كبرى جهود المساءلة. وينبغي لمكتب المدعي العام تقييم شراكاته مع السلطات الوطنية، كما على المدعي العام ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مطالبة السلطات الليبية بتعاون حقيقي يتجاوز مجرّد استقبال الزيارات الرسمية، ويتعدّاها لبذل جهود ملموسة لضمان اعتقال المشتبه فيهم ونقلهم إلى المحكمة، وتهيئة بيئة مواتية وآمنة للمجتمع المدني.
التعاون مع البلدان الثالثة والمنظمات الدولية
بالتوافق مع التزام خارطة الطريق بالتعاون مع الدول الثالثة، والمنظمات الدولية والإقليمية، أصبح مكتب المدعي العام للمحكمة رسمياً عضواً كامل العضوية في فريقٍ مشترك يحقق في الجرائم المرتكبة ضدّ المهاجرين بالاشتراك مع اليوروبول وهيئات رسمية من دول أوروبية عديدة في سبتمبر 2022. وقد أسفر عمل الفريق المشترك عن تسليم مشتبهيْن بهما في الإتجار إلى هولندا وإيطاليا في أكتوبر 2022، وقد أشاد بذلك المدعي العام كنجاحٍ في سياق مواجهة الجرائم المرتكبة ضدّ المهاجرين واللاجئين في ليبيا.
وينبغي للمدعي العام الاستفادة من جلسة الإحاطة المقبلة لتوضيح تقدّم مكتب المدعي العام في التحقيق في الجرائم المرتكبة ضدّ المهاجرين واللاجئين في ليبيا، وهو من أولويات التحقيق التي أدرجتها خارطة الطريق، والتأكيد على أنّ مكتبه يقود تحقيقاً في هذه الجرائم بهدف ملاحقتها قضائياً أمام المحكمة. أما الاستنتاج الرئيسي للبعثة الدولية المستقلة لتقصّي الحقائق في ليبيا حول قيام السلطات الليبية بالتواطؤ مع مسؤولي الإتجار في استغلال المهاجرين فيدلّ على أهمية المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق مع المسؤولين عن جرائم نظام روما الأساسي المرتكبة ضد المهاجرين واللاجئين ومحاكمتهم أمام المحكمة.