قُتل عشرة مدنيين على الأقل، منهم خمسة عمال مهاجرين، وجُرح أكثر من خمسة وثلاثين آخرين في غارةٍ جوية استهدفت مصنعاً للبسكويت في وادي الربيع جنوب طرابلس، يوم الإثنين 18 نوفمبر. وبعد ساعاتٍ قليلةٍ، شُنّت غارة أخري على مخزنٍ للأسلحة في مدينة مصراتة أوقعت ثلاثة عشر جريحاً. "إنّ ما جرى يحمل دلالةً واضحة على التجاهل الكامل للقانون الدولي الإنساني ومبادئه الأساسية في إطار الصراع الدائر في ليبيا." هذا ما صرّحت به مروة محمّد، رئيسة قسم المناصرة والتوعية في محامون من أجل العدالة في ليبيا. وأضافت: "وبسبب هذا التجاهل المستمرّ تحديداً، ليبيا بحاجة ماسة اليوم إلى لجنة تتولى التحقيق في هذه الجرائم، وتحديد هويات مرتكبيها وإخضاعهم للمساءلة."
وهذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها الحرب المدنيين والأعيان المدنية، عن عمد أو عن غير عمد. فقد أسفرت الأعمال العدائية منذ الهجوم على العاصمة في 4 أبريل الماضي عن مقتل 200 من المدنيين، فيما أجبر أكثر من 128 ألفاً شخص على مغادرة منازلهم.
كما تعرّض مطار معيتيقة في وقتٍ سابق لهجوم منهجي ألحق أضراراً بالمطار والطائرات ما تسبب بإغلاقه الدائم وكان وقتها المطار الوحيد العامل في العاصمة الليبية طرابلس وشريان حياة لنقل المساعدات الإنسانية إلى المدينة. هذا وتعرضت الطواقم الطبية والمرافق الصحية للاستهداف مراراً بما فيها المستشفيات وسيارات الإسعاف والمسعفين.
ففي 8 مايو، أفادت التقارير عن إصابة ثلاثة عمال في القطاع الصحي بعد تعرّض سيارة الإسعاف التي كانوا على متنها لهجوم في قصر بن غشير في طرابلس. وفي 23 مايو، قتل عاملان من القطاع الصحي وجرح ثلاثة في قصفٍ على سيارتيْ إسعاف في طرابلس. ووفقاً لبيانٍ صدر عن منظمة الصحة العالمية في 7 يونيو، تعرض اثنان من المستشفيات الميدانية أحدهما في السواني والآخري في عين زارة لضربات جوية. و وفقاً لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، وصلت حصيلة الاعتداءات علي المرافق الصحية و العاملون في مجال الرعاية الصحية الي ستين اعتداء منذ بدء الحرب علي طرابلس في ابريل من العام الجاري.
وقد أسهم تدخل الجهات الدولية في احتدام الصراع و بالأخص أنّ دولاً عدة قد خرقت خرقاً مباشراً الحظر على تصدير الأسلحة الذي يمنع تصدير وبيع وتوريد ونقل الأسلحة وما يتصل بها من أعتدة من وإلى ليبيا. وفي بيانه إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 18 نوفمبر 2019، أقرّ مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة بانتهاك الحظر على توريد الأسلحة الذي يسهم بدوره في استمرار الصراع. وقال: "من مصلحة جميع الليبيين رفض التدخل الخارجي في شؤون بلادهم، وأنا أتطلع إليهم لتأييدي في دعوة الأطراف الخارجية إلى الإمتثال لحظر تصدير السلاح و الالتزام بشكل ملموس بإنهاء النزاع على الأرض قبل فوات الأوان." لا بد من العمل على وقف هذه الخروقات الواضحة ويجب التحقيق في جميع الإنتهاكات والتجاوزات المسجّلة حتى اليوم. وعلى المجتمع الدولي أن يعمل لوضع حدّ للجرائم الدولية المرتكبة على الأرض والنظر في التواطؤ القانوني المحتمل للدول المشاركة في الجرائم المرتكبة.
وقالت محمد: "من المشين أن يبقى المجتمع الدولي متفرّجاً من غير أن يحرّك ساكناً إزاء هذا التجاهل السافر للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. فبدلاً من استخدام الأدوات التي بين يديه للقضاء على الإفلات من العقاب، تراه يتجاهل هذه الانتهاكات بل و يغذي الحرب."
وتودّ محامون من أجل العدالة في ليبيا تذكير المسؤولين عن الضربات الجوية، وجميع الأطراف في النزاع بالتزاماتهم القانونية بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. ذلك أنّ التقاعس عن حماية المدنيين والاستهداف المتعمّد للمستشفيات، وسيارات الإسعاف والعاملين في مجال الرعاية الصحية والطيران المدني يمكن أن يشكّل جرائم بموجب القانون الدولي.
و تدعو منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا المجتمع الدولي لتيسير عمل المحكمة الجنائية الدولية التي تنطبق ولايتها علي ليبيا و على الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك عن طريق تزويد المحكمة بالتعاون والدعم المالي اللازم. و من جهتها، على المحكمة أن تعمل في إطار تنفيذ ولايتها في ليبيا على التحقيق في الانتهاكات وملاحقة مرتكبيها، بمن فيهم الجهات الفاعلة الأجنبية التي قد ترقى أفعالها إلى جرائم حرب أو جرائم ضدّ الإنسانية. فمن المؤسف أنّ فاعلية المحكمة في تحقيق العدالة للضحايا ما زالت محدودةً للغاية حتى الآن.
كذلك الأمر، إنّ التجاهل المستمرّ لأي التزام قانوني دولي يدلّ بوضوح على أنّ ليبيا تحتاج إلى هيئة تتولّى التحقيق في هذه الجرائم وتحديد مرتكبيها وإخضاعهم للمساءلة. واختتمت مروة محمد بقولها: "على المجتمع الدولي أن يدعم إنشاء لجنة تحقيق مستقلة لتوثيق الانتهاكات والتجاوزات الحاصلة وتحديد هويات مرتكبيها و الحفاظ على الأدلة لاستخدامها في الإجراءات الجنائية المستقبلية، كما يجب العمل على رفع تقارير علنية بشأن حالة حقوق الإنسان في ليبيا، كما أوصى بذلك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته الثانية والأربعين."