طبخ" الدستور"
بقلم الأستاذ توم جينسبرغ
كلية القانون في جامعة شيكاغو ومشروع الدساتير المقارنة
www.constituteproject.org
فلنفرض أنّك قمت بدعوة ضيفٍ مهمّ إلى العشاء، وقد طلب منك هذا الضيف تحضير طبقٍ جديد لم يسبق لك أنّ جرّبته من قبل، فلنقل طبق لازانيا أو كيك بالشوكولاتة. أنت لا تملك في بيتك كتاباً للطبخ، والضيف سيحضر بعد ساعة. ماذا تفعل؟ لربما ستصاب بالذعر في البداية. ولكن الذعر لن يحلّ المشكلة. ومن ثم، قد تتصل بأمك أو أحد أصدقائك طلباً للنصيحة. ولكن في نهاية الأمر، سيكون عليك تحضير الطبق بنفسك. فتدخل إلى المطبخ وتباشر العمل.
هذه حقيقة ما يجري مع عددٍ كبيرٍ من المكلّفين بصياغة الدساتير؛ لا تتوافر كتب وصفاتٍ خاصةورغم وجود بعض مصادر المعلومات المفيدة على الإنترنت، لا بد من صياغة الدستور في المنزل.
كما أنّ أكثرية الدساتير تكتب في فتراتٍ زمنيةٍ قصيرة نسبياً، ضمن مهلٍ غالباً ما تحدّدها السياسة المحلية أو جهات خارجية. وهذا ما من شأنه أن يصعّب العملية إلى حدّ بعيد، وكأنّ المطلوب تحضير طبق عشاء معقّد في وقتٍ ضيّق.
في بعض الأحيان، قد يرتكب صانعو الدستور خطأ الاعتقاد أنّ عليهم استنباط كلّ شيء من الصفر. فيكون الأمر أشبه بخبز قالب الحلوى أو تحضير طبق اللازانيا من دون أي مقادير من الخارج. ولكن من المعلوم أنّ أفضل طاهٍ في العالم لا يزرع القمح بيده ولا يطحن الطحين بنفسه. والواقع أنّ فكرة اللازانيا أو فكرة الكيك نفسها، بمعنىً أو بآخر، تأتينا من خارج البيت.
لا تختلف الدساتير في الواقع جداً. ففكرة الدستور قديمة، وقد تحوّلت في القرن الماضي إلى إحدى الخصائص التي تعرّف بالدول الحديثة. فالأقسام المختلفة التي تتألّف منها الدساتير – ويقصد بها الأحكام التي تنصّ على نظام الحكم، وتحدّد طبيعة عمل المحاكم، أو حقوق المواطنين – موجودة في كلّ دول العالم، ويمكن العودة إليها كتجارب جماعية تفيد الدولة في صياغة دستورها. فعوضاً عن استنباط الفكرة من الصفر، تعدّ عملية صياغة الدستور مماثلةً لطلب وجبة طعام مميزة من بين قائمة من الخيارات المتاحة.
تستهلّ عملية صياغة الدستور في أغلب الأحيان انطلاقاً من نموذج أساسي معين، قد يكون دستوراً لدولة أخرى، أو دستوراً كان معتمداً في مرحلةٍ سابقةٍ من تاريخ البلاد نفسها. يبدو الأمر منطقياً جداً كنقطة انطلاق. فمن الأسهل الاطلاع على نصّ معين والعمل على تعديله بدلاً من البدء من الصفر. ولكن لا يمكن استعارة نص آخر بحذافيره. والسبب في ذلك يعود إلى أنّ الدول تختلف في ما بينها. وحتى ضمن سياق الدولة نفسها، قد تختلف الدساتير باختلاف الحقبات الزمنية؛ فإذا كانت الدولة خارجةً من حرب، أو نظام ديكتاتوري، كما هي حال ليبيا، قد تستفيد من نصّ مختلف عما قد يكون عليه الدستور بعد فترة طويلة من الاستقرار.
فضلاً عن ذلك، تتغير فكرة ما يجب أن يشكّل مضمون الدستور مع مرور الزمن. ففي القرن التاسع عشر، كانت الدساتير تتضمّن مؤسساتٍ أقل وتعترف بنسبةٍ أقلّ من الحقوق للمواطنين. في المقابل، تميل الدساتير المكتوبة اليوم لأن تكون أكثر تعقيداً، وموجّهةً أكثر نحو حقوق الإنسان.
كنموذج، قد يعتبر الدستور الليبي لسنة 1951 نقطة انطلاق مهمة. إلاّ أنّ ليبيا في العام 1951 تختلف كثيراً عمّا هي عليه اليوم، ولا أحد يقترح العودة إلى نظام ملكيّ. ولكن، من الممكن أن يجمع الدستور بين النص الليبي وبين أجزاء مستخرجة من نماذج أخرى من أجل التوصّل إلى نصّ حديث ومناسب تماماً لليبيا. كما هي حال العشاء، الوقت ضيّق والضغوط على عملية صياغة الدستور لا يستهان بها، إلاّ أنّ الاطلاع على نماذج مختلفة مهمّ جداً في حلّ المشكلة.