تبدي منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا قلقها حيال مسودة الصياغة التوافقية للدستور (مسودة أبريل 2017) التى تقيد حقوق الإنسان بما يشمل حرية التعبير والتجمع، ولا تضمن المساواة بسبب التعارض بين المواد. ونتيجة لذلك، تنذر مسودة أبريل 2017 في صيغتها الحالية بتمييز متأصل تجاه قطاعات كاملة من السكان المقيمين في ليبيا. وتوجه منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا الدعوة إلى الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور لتعديل مسودة دستور أبريل 2017 والعمل سوياً لضمان أن يوفر الدستور المستقبلي حماية حقيقية لحقوق الإنسان لكل الشعب الليبي. وينبغي للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور أن تحدد الخطوات التالية في عملية بناء الدستور، وأن تعقد مشاورات عامة ذات معنى مع جميع أصحاب المصلحة قبل الانتهاء من عملها.
وقد توقفت عملية بناء الدستور في ليبيا في أبريل 2016 عندما تسببت المقاطعة والانقسامات بين أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في منع الهيئة من التوافق على مشروع الدستور السابق للنظر فيه عبر استفتاء وطني. وبعد ذلك شكلت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور لجنة فرعية اشتملت على أعضاء كانوا قد قاطعوا العملية، لمناقشة القضايا المختلف عليها والسعي للتوصل إلى إجماع بشأنها. وأسفرت جهودهم عن التوصل إلى مسودة أبريل 2017، والتي ستنظر فيها الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في اجتماع عام والتصويت عليها في 7 مايو 2017.
ومع ذلك، فإن منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا قلقة بسبب أن مسودة أبريل 2017 لم توفر ضمانات كافية تحمي حقوق الإنسان في ليبيا في العديد من الجوانب التى من الممكن أن تضعف الالتزامات الحقوقية الموجودة. وهذا بدوره ربما يؤصل عدم المساواة فى المعاملة و فى أن تكون إجراءات حماية حقوق الإنسان دون المستوى بالنسبة للأجيال المقبلة.
كما تعرب منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا عن قلقها بشكل أخص بشأن القيود الموسعة على الحريات الاساسية مثل حرية التجمع المعرضة لإساءة الاستخدام. فبينما تضمن المادة (44) الحق في "الاجتماع والتجمع والتظاهر السلمي"، فانها قيدت ذلك بالسماح للدولة باستخدام القوة على نطاق واسع "في حالة الضرورة". والقانون الدولي واضح في أن التجمعات يمكن تقييد نطاقها واستخدام القوة فقط في أضيق نطاق، ومنها على سبيل المثال إذا كان التظاهر يستند إلى العنف أو غير قانوني، وهو ما لم توضحه المادة (44). ويعني عدم الوضوح هذا أن المادة (44) لا تقدم الحماية الكافية لمنع إساءة استخدام القوة التي يمكن أن تستخدم لتقييد نطاق التجمع السلمي. وعلى المستوى الدستوري، ينبغي أن يكون الهدف حماية حق الشعب في ممارسة حقه في التجمع السلمي، وألا يتضمن حماية خيار استخدام القوة.
حرية التعبير، جاء النص عليها في المادة (39)، في أضيق نطاق، وتخضع للعديد من القيود التي لا مكان لها في مجال الدستور، مثل حظر التشهير والتكفير. علاوة على ذلك، نصت مسودة أبريل 2017 على ان دولة ليبيا جمهورية إسلامية تخضع للشريعة الإسلامية، وتنص على جوانب الحياة الخاصة مثل الزواج وفقًا للشريعة الإسلامية، لكنها لم تقدم ضماناً لحرية الفكر والاعتقاد. وهذا يمثل انحرافاً عن الإعلان الدستوري الذي ينص على أن "الدولة تضمن حرية غير المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية." ودون وجود ضمانات مشمولة بحماية واضحة لحرية التعبير والاعتقاد التي لا يمكن تقييدها، إلا بما يتماشى مع القانون الدولي، فإن هناك مخاطر من أن يجد جميع افراد الشعب المقيمون في ليبيا تقييداً لحريتهم في التعبير.
نصت المادة (7) والمادة (16) علي ضمانات عامة بشأن المساواة وعدم التمييز، لكنها مكبلة بقيود صارمة وأحكام تعرقل هذه الضمانات.على سبيل المثال، لن تكون الأقليات الدينية قادرة على شغل أي منصب حكومي رفيع المستوى في ليبيا بسبب المتطلبات المفروضة بأن يكون أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ والرئيس مسلين وفي بعض الأحوال أن يكونوا مولودين لأب وأم مسلمين. وفي الوقت ذاته، سيُستبعد الشباب من الرئاسة وشغل المناصب في مجلس الشيوخ، حيث ينبغي أن يكون المرشحون فوق سن الأربعين. ويتعارض هذا النص تعارضاً مباشراً مع النص السابق بخصوص المساواة في المادة (7)، ويهدد بحرمان شرائح من المجتمع الليبي من الوصول للمناصب العامة رفيعة المستوى.
وتوقف المادة (185) عمليات اكتساب المواطنة والجنسية لفترة السنوات العشر التالية لنفاذ الدستور، حيث سيتم تحديد تلك العمليات والنص عليها في القانون. وهذا يعني أن الذين لم يتمكنوا من الحصول على الجنسية أو المواطنة أو من كان وضعه غامضاً، لن يكون قادراً على تحديد وضعه كمواطن لمدة 10 سنوات على الأقل. وفي الوقت الحالي ومن الناحية التاريخية، فقد أثر ذلك على النساء الليبيات المتزوجات من رجال غير ليبيين، حيث لن يتمكن من نقل جنسيتهن لاطفالهن، وعلى الأقليات الذين حرموا تعسفياً من أن يصبحوا مواطنين متجنسين أو ألغيت جنسياتهم. فسيستمر هؤلاء وأبناؤهم في معاناة اضطراب حياتهم الأسرية ويواجهون صعوبة في الحصول على الخدمات الأساسية منها الصحة والتعليم. وستؤثر المادة (185) أيضا على الوصول إلى المناصب الحكومية رفيعة المستوى بسبب متطلباتها بأن يكون والدا المرشح ليبيين وألا يكون المرشح متزوجاً من أجنبي وألا يحمل جنسية ثانية. وهذه ممارسة تمييزية تخالف الالتزامات الدولية لليبيا، ولا تتوافق والمعايير الإقليمية والدستورية بشأن هذه القضية. وهي أيضاً خطوة كبيرة إلى الوراء عن نصوص المسودة السابقة للهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، والتي سمحت صراحة بانتقال الجنسية في حال كان الطفل مولوداً لأب أو أم ليبين من اي من النوعين.
وقد علقت إلهام السعودي مديرة منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا قائلة: "إن الغرض من الدستور هو توفير الحماية لأبناء الدولة من إساءة الاستخدام المحتملة وتجاوز سلطة الدولة. وإن مسودة أبريل 2017، في صورتها الحالية، تركز على تعزيز قيود خطيرة على الحقوق والحريات وهي قابلة للاستغلال."
وقد أردفت إلهام السعودي قائلة: "إننا ندعوا الليبيين أن يطالبوا ممثليهم في الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور ممن انتخبوهم في عام 2014 وممن يتوجب عليهم تمثيلهم في الاجتماع المنعقد يوم الأحد لرفض مسودة الدستور في صيغتها الحالية". وأضافت قائلة "إن الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور ينبغي بدلاً من ذلك أن تعقد حواراً مفتوحاً وعاماً للمواطنين للتوصل الي مسودة دستور تضمن حماية حقوق الإنسان على نحو يكفل تنفيذها في أوسع نطاق بأقل قيود، وترك القيود لتحدد على المستوى التشريعي".
شاهد الفيديو حول العملية الدستورية حتى الآن واستمع للمزيد حول أهمية الانضمام للمناقشة على الإنترنت هنا وهنا للتأكد من أن الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور تسمع صوتك: