محامون من أجل العدالة في ليبيا تدلي ببيانٍ خلال جلسةالمناقشة العامة في إطار الدورة الثامنة عشرة لجمعية الدول الأطراف في المحكمةالجنائية الدولية
لاهاي، 3 ديسمبر 2019
أصحاب السعادة، حضرات المندوبين الموقّرين، زملائي الأعزاء
إنّه لمن دواعي سروري اليوم أن أخاطب جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي باسم منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا.
قرابة عقد من الزمن مرّ على إحالة الوضع في ليبيا إلى المحكمة بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1970 لسنة 2011. وفي خلال هذه المدّة، صدرت أوامر قبض بحق خمسة أفراد، واحد منهم فقط متورّط بارتكاب جرائم في الفترة منذ بدء الثورة. ولكن هذا لا يعكس بأيّ شكلٍ من الأشكال واقع الحال على الأرض. ذلك أنّ الحرب مستمرّة في ليبيا اليوم، في ظلّ تجاهلٍ تامّ للقانون الدولي الإنساني ومبادئه الأساسية.
منذ انطلاقة الهجوم على طرابلس في 4 أبريل 2019، ونحن نشهد على نمط متكرر من الاعتداءات المباشرة والعشوائية التي تستهدف المدنيين والبنى التحتية المدنية التي يسهل ارتكابها نتيجة انتشار السلاح في البلاد رغم الحظر على الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة. ومن هذه الاعتداءات الهجوم الذي تعرض له مطار معيتيقة، المطار الوحيد العامل في العاصمة الليبية طرابلس وشريان حياة لنقل المساعدات الإنسانية إلى المدينة، بالإضافة إلى الهجمات التي تعرضت لها الطواقم الطبية والمرافق الصحية وكذلك مراكز احتجاز المهاجرين. وقد أدّى تصعيد الأعمال العدائية منذ أبريل وحده إلى مقتل أكثر من 200 مدنياً ونزوح ما يزيد على 130 ألف شخص. كما شهدنا على ارتفاع حادّ في حالات الخطف، والاختفاء القسري، والاحتجاز التعسّفي إذ باتت هذه الممارسات أداةً تستخدم في سياق النزاع الدائر في ليبيا لإسكات الأصوات المعارضة في مختلف أرجاء البلاد. نحن نعلم جيّداً أنّ المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا وفريق عملها يعملان على رصد الحالة عن كثب، إذ تعكس تقاريرها الدورية الحالة المروّعة على الأرض وتدلّ على التزامها المستمرّ بالتحقيق في الأوضاع في ليبيا.
غير أنّ هذا الالتزام لم يترجم بمزيد من مذكرات التوقيف لما نعتقد له ثلاثة أسباب رئيسية: (1) الأولوية والميزانية المحدودة المخصصة للحالة في ليبيا ما يحول دون تمكّن المدعية العامة من مواصلة التزامها المعلن بمزيد من الحزم؛ (2) غياب الإرادة السياسية لدى الدول الأطراف والدول غير الأطراف لدعم المحكمة من أجل ممارسة ولايتها على نحوٍ أكمل في ليبيا؛ (3) غياب المشاركة من قبل المحكمة مع الضحايا والمجتمع المدني للتمكن من الوصول بشكلٍ أكبر إلى المجموعات المتأثرة.
أصحاب السعادة، حضرات المندوبين الموقرين،
المحكمة بحاجة لدعمكم الآن أكثر من أي وقتٍ مضى حتى تتمكن من مواصلة ولايتها في ليبيا. نحثّ الدول الأطراف على تزويد المحكمة بالسبل اللازمة، بما في ذلك الدعم المالي الكافي، من أجل ملاحقة الجهات التي تتحمّل المسؤولية الأكبر عن الجرائم المرتكبة والمنصوص عليها في نظام روما الأساسي. وذلك أمر لا بدّ منه لضمان المساءلة والعمل كرادع لمنع ارتكاب المزيد من الجرائم والاعتداءات.
فالتعاون، بما فيه تنفيذ مذكرات التوقيف غير المنفذة، مهمّ وضروري لمحاسبة كلّ من يزعم أنّه مسؤول عن ارتكاب الجرائم بموجب القانون الدولي في ليبيا. فأوامر القبض هذه ما زالت معلّقةً منذ سنوات، وكلما طال تنفيذها، كلّما أسهم ذلك في تقويض فعالية المحكمة. فعلى حدّ ما أشارت إليه المدعية العامة أمس، عدم تنفيذ هذه المذكرات يؤدي إلى إضعاف ثقة الضحايا في المحكمة وفي قدرتها على تحقيق العدالة.
ختاماً، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ التواصل يجب أن تكون ركناً أساسياً من عمل المحكمة في ليبيا. إذ يتعيّن على الدول الأطراف دعم المحكمة في قدرتها على التواصل مع الضحايا والمجتمع المدني على الأرض. ذلك أنّ المشاركة الهادفة في إجراءات المحكمة الجنائية الدولية من شأنها أن تقابل الضحايا والمجتمعات المتأثرة بالعرفان والتقدير وأن تسهم في تعزيز الثقة بينهم وبين المحكمة.
أصحاب السعادة،
نحن نرى في المحكمة عاملاً محفّزاً ولاعباً أساسياً من أجل تحقيق العدالة في ليبيا. ونحن نحثّكم اليوم على تقديم دعمكم الكامل للمحكمة وتزويدها بالموارد اللازمة التي تضمن بقاء الحالة في ليبيا ضمن أولوياتها في العام 2020.
شكراً لكم!