في 4 سبتمبر 2019، حضرت مروة محمد ، مسؤولة برنامج المناصرة والتواصل في منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، جلسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك وألقت البيان التالي بشأن الوضع في ليبيا
سيّدي الرئيس، سعاداتكم، حضرات الزملاء في منظمات المجتمع المدني، سيّداتي، سادتي
صباح الخير. اسمي مروة محمّد وأنا ليبية، مدافعة عن حقوق الإنسان أعمل في سبيل العدل والسلام في ليبيا منذ أكثر من عشر سنوات. اليوم، أحدّثكم بصفتي المسؤولة عن برنامج المناصرة والتوعية في منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا. منظمتنا مسجّلة في المملكة المتحدة، وهي تعمل في ليبيا وعلى القضية الليبية في سبيل تعزيز حقوق الإنسان، وسيادة القانون والوصول إلى العدالة
لقد حملت انتفاضة2011 لليبيين وللمرة الأولى إحساساً عميقاً بالانتماء وشعروا أنّ المستقبل مشترك لهم جميعاً وبيدهم. فازدهر المجتمع المدني، وبدأ يتطوّر ويتخذ معالم وأشكالاً عدةإلاّ أنّ هذه الحركة المتنامية ما لبثت أن اصطدمت بأعمال ترهيبٍ وعنف ازدادت أكثر فأكثر مع مرور الوقت. وكانت نقطة التحوّل مع مقتل المدافعة عن حقوق المرأة سلوى بوقعيقيص في عام 2014 التي رميت بالرصاص في عقر دارها. منذ تلك اللحظة، بدأ المجتمع المدني ينسحب من الأماكن العامة، ومن المراكز القيادية السياسية، وساحة العمل النشط. وتشكّل عملية اختطاف واختفاء عضو البرلمان سهام سيرقيوة مثالاً واضحااليوم علي ان أنّ الإفلات الكامل من العقاب عن عمليات الاعتداء والترهيب التي يتعرّض لها الناشطون، والنساء منهم على وجه التحديد، يؤدي فقط إلى تشجيع مرتكبي هذه الجرائم على الاستمرار بها
ومن يختار منّا النضال من أجل السلام والعدالة في ليبيا يستمرّ في مواجهة القمع والاضطهاد. أحدّثكم اليوم كأحد أفراد المجتمع المدنيالليبيالملتزمين بإعادة بناء مستقبل بلادنا، على مبادئسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان. ولا يمكن لمستقبلٍ كهذا أن يتحقّق إلاّ إذا عملنا معاً يداً بيد
سوف أركّز في بياني على ثلاثة مواضيعرئيسية، هي: أثر النزاع المسلح على المرأة بشكلٍ خاص؛ وانتشار ممارسات الاختفاء القسري والتعذيب؛ واستهداف المدنيين والأعيان المدنية
ما حدثلسلوى وسهام يعددليل قاطع على أنماط العنف الأشد خطراً التي يتعرّض لها المدافعون عن حقوق الإنسان عموماً، والنساء خصوصاً، جرّاء عملهم الناشط في ليبيا. فمنذ عام 2014 والمدافعات عن حقوق الإنسان يخضعن بانتظام للتهديد والعنف المبني على النوع الاجتماعي، بما يشمله من اعتداء جسدي، وخطف، وعنف جنسي، ناهيك عن الإهانات وحملات التشهير التي نتعرّض لها لمجرّد كوننا نساء والتي تهدف إلى عرقلة مساعينا وتقويض شرعية عملنا.هذا وقد ازدادت هذه الاعتداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً
فالتهديد بالانتقام من النساء لمشاركتهنّ في السياسة أو لعملهنّ في مجال حقوق الإنسان، بالإضافة إلى عدم محاسبة مرتكبي هذه الأعمال أو اتخاذ خطوات محدّدة من قبل الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة لمواجهة هذه المخاطر، كلّها أمور أجبرت النساء على التخليعن الشأن العام
إنّ انتشار الأسلحة رغم الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة، وانهيار مؤسّسات الدولة، وانعدام تطبيق القانون بشكلٍ عام كلّها عوامل أثّرت بشكلٍ جائرٍ على أمن المرأة الليبية وحريتها في التنقل. فالنساء اللواتي يقمن في المناطق التي تأثرت بالنزاع عرضة بشكلٍ خاص للعنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي، بما في ذلك التحرّش الجنسي، والاغتصاب، والخطف. و طبقاً ل 1300 مقابلة أجرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، تعرّضت أكثرية النساء والفتيات المهاجرات واللاجئات للاغتصاب الجماعي على يد مرتكبي الإتجار بالبشرأو شهدن على اصطحاب أخريات لتعنيفهنّ أثناء الرحلة. كما تجرّد المهاجرات واللاجئات المحتجزات في المراكز الخاضعة لإدارة حرّاس رجال من ملابسهنّ بداعي التفتيش، ويتعرّضن للعنف الجنسي، بما في ذلك الاغتصاب. ومع ذلك، لا ترفع التقارير الكافية بشأن حالات العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي، ولا يبلّغ عن وقوع هذه الجرائم بالحدّ الوافي
من جهةٍ أخرى، تتخلّف الدولة عن رصد نشاطات المجموعات المسلّحة والميليشيات والسيطرة عليها، الأمر الذي يعرّض النساء لمزيد من الاعتداءات بحقّهنّ في ظلّ إفلات الجناة من العقاب. وفي ظلّ غياب سلطة مركزية للدولة، لم يكن لديالنساء سوى المحافظة على أمنهنّ وسلامتهنّ بأنفسهنّ من خلال الالتزام بلباسٍ معيّن،أو السفر مع محرم، أو الخروج من بيوتهنّ أثناء النهار فقط. و قدأدّى ذلك إلى تقييد حريتهنّ في التنقّل بشكلٍ كبير وحدّ من قدرتهنً على المشاركة في الحياة العامة مشاركةً كاملةً
نظراً إلى أثر النزاع على المرأة بشكلٍ خاص في ليبيا، تعتبر الحاجة ماسةً اليوم إلى إشراك المرأة على نحوٍ فاعلٍ في الحوارات السياسية إن كان لليبيا أن تنعم بسلامٍ مستدام. فالتمثيل الرمزي للنساء أو إشراكهنّ في المراحل التي لا تؤثّر في المحصّلة أمر من شأنه أن يقوّض فعالية أيّ اتفاق سلام
منذ عام 2011، بات الاختفاء القسري من الممارسات المنتشرة على الأراضي الليبية، وإن لا يتمّ توثيقه بالحدّ الكافي بسبب الخوف من الأعمال الانتقامية. فالأرقام الرسمية الوحيدة المتاحة هي من وزارة الداخلية و تعود لعام 2017 و تشير الي أنّ 257 شخصاً قد تعرّضوا للاختفاء في شهري مارس وأبريل في طرابلس وحدها. ومن المرجّح أن يكون هذا الرقم أعلى في باقي ليبيا وعلى مرّ السنوات التسع منذ اندلاع النزاع. و تعمد الميليشيات عادةً إلى اختطاف الأشخاص من داخل بيوتهم، ومن الشوارع، أو عند الحواجز الامنية، أو من مقارّ عملهم وتحتجزهم في مرافق احتجاز غير رسمية مع حرمانهم من حق التواصل مع محاميهم و أفراد أسرهم وبعيداً عن أيّ إشراف قضائي. وغالباً ما يخضع المحتجزون للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيّئة. وقد أفادت تقارير بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أنّ بعض الأشخاص المختفين قد احتجزوا لفتراتٍ وصلت أحياناً حدّ السنتين. ومنهم من يبقى مصيره مجهولاً
ولعلّ ما تعرّضت له سهام سرقيوة منذ فترة وجيزة يشكّل خير مثال عمّا سبق، وسهام هي مدافعة عن حقوق المرأة وعضو في مجلس النوّاب، وقد تعرّضت للاختفاء القسري بعد أن عبّرت عن وجهاتنظر تنتقد العملية العسكرية للقوات المسلّحة العربية الليبية (المعروفة بالجيش الوطني الليبي) على طرابلس ودعت إلى تشكيل حكومة مدنية. اختطفت سهام على يد ميليشيات مسلّحة من داخل منزلها في بنغازي يوم 17 يوليو 2019، ولا يزال مصيرها مجهولاً
وليست قضية سهام سوى واحدة من جملة قضايا أخرى. إذيلجأ أفراد الميليشيات إلى الاختفاء القسري في ليبيا لمنع أيّ شكل من أشكال المعارضة و ارسال رسالة عامة أنّ مرتكبي هذه الجرائم فوق القانون وقادرون على ارتكاب هذه الجرائم في ظلّ إفلات تامّ من العقاب. وفي غياب المساءلة، لا شكّ أنّ حلقة العنف ستستمرّ
منذ بدء العملية العسكرية على طرابلس، تعمل محامون من أجل العدالة في ليبيا، والناشطون على الأرض والمنظمات الدولية الأخرى على توثيق الاستهداف العشوائي والجائر للمدنيين والأعيان المدنية، بما في ذلك الاعتداءات على مطار معيتيقة، وعلى الطواقم والمرافق الطبية، في ما يشكّل انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني و قد ترقى هذه الاعتداءات إلى جرائم حرب
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، ومنذ أبريل 2019، شهدت ليبيا مقتل 106 مدنيين، وإصابة 294 آخرين فضلاً عن تشرّد 10 آلاف ليبيّ على مختلف أراضي الدولة. بالإضافة إلى ذلك، وبحسب تقارير بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، فقد سُجّل حتى 15 آب/أغسطس أكثر من 37 اعتداءً على العاملين في مجال الصحة وعلى المرافق الطبية إذ تمّ الاعتداء على 19 مستشفى، و مقتل 11 عاملاً من أفراد الطواقم الطبية، الأمر الذي يشكّل انتهاكاً سافراً للقانون الدولي الإنساني
ولم تستبعد مراكز احتجاز المهاجرين عن هذه الاعتداءات، إذ تعرّض أحد مراكز احتجاز المهاجرين واللاجئين الرسمية في تاجوراء لقصفٍ جوّي أودى بحياة 46 شخصاً و أوقع ما لا يقلّ عن 130 جريحاً في يوليو الماضي
سيّدي الرئيس، على حدّ ما حذّر منه الأمين العام غوتيريس نفسه في تقرير الأخير عن الوضع، من الأرجح أن تدخل ليبيا في مرحلة "الحرب الأهلية الشاملة" إن لم يتمّ التحرّك على الفور. إنّه اختبار لمصداقية المجلس أن يتحرّك الآن وفوراً
:وعليه، فإنّنا ندعو مجلس الأمن إلى القيام بالخطوات التالية
وختاماً، سيّدي الرئيس، وفيما تتصارع الأطراف المتنازعة على السلطة، فإنالشعب الليبي والمدنيون على الأرض هم الذين يدفعون الثمن، وغالباً ما يكلّفهم هذا الثمن حياتهم. أصواتهم هي التي يجب أن توجّه تحرّكاتكم، لكي يتمّ إنهاء هذا النزاع و إعادة السلم إلى ليبيا
شكراً لكم