تدين منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" وبشدة الاعتداءات القاتلة التي شنّتها مجموعات من المليشيات المسلّحة ضد المتظاهرين والمدنيين يومي الجمعة والسبت في الخامس عشر والسادس عشر من نوفمبر الجاري في طرابلس. وتتقدّم المنظمة بأخلص التعازي إلى عائلات الضحايا الذين سقطوا نتيجة هذه الاعتداءات، وتعرب عن خيبة أملٍ وأسف شديدين إزاء غياب ردّ فعل من جانب الحكومة على كل ما يجري من أعمال عنف مستمرة وفشلها في اتخاذ التدابير والإجراءات الضرورية للالتزام بواجباتها الدولية في حماية المدنيين من العنف والاعتداء.
ففي يوم الجمعة في الخامس عشر من شهر نوفمبر 2013، أصيب ما يقارب الخمسمئة شخص وقتل أكثر من أربعين في تظاهرة خارج مقر الميليشيات على يد المجموعات المسلّحة المقيمة بغالبيتها في حي غرغور في طرابلس. وقد أكّد شاهد عيّان لمنظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" أنّ أفراد المليشيا قد أطلقوا النار في وقتٍ كان فيه المحتجّون غير مسلّحين وبعضهم كان يرفع الرايات البيضاء كعنوانٍ لتحرّكهم السلمي. كما يتحمّل رجال الميليشيات والمقاتلون فيها مسؤولية مقتل شخص وجرح ثلاثة في إطلاق رصاص بشكلٍ عشوائي يوم السبت في 16 نوفمبر في ضاحية تاجوراء. كما أفادت التقارير أنّ مجموعةً من المسلّحين قد اعتدت أيضاً على أفراد من أهالي تاورغاء المقيمين في مخيم الفلاّح في طرابلس، حيث قُتل شخص وجُرح آخرون. وتعدّ هذه الاعتداءات من بين الأسوأ منذ اندلاع الثورة في العام 2011، وهي تمثل خطراً يهدّد بتصعيد أعمال العنف وتجدّد النزاع في ليبيا.
من المعلوم أنّ الحق في التجمّع والحق في السلامة الشخصية من حقوق الإنسان الأساسية، ومن مسؤولية الحكومات والدول كافة تأمين سلامة السكان المدنيين. وفي ما يتخطّى دعوة رئيس الوزراء الليبي علي زيدان الجميع إلى "ضبط النفس وعدم التمادي في المواجهة"، فشلت الحكومة الليبية في اتخاذ الإجراءات اللازمة رداً على الاعتداءات. وفي هذا السياق أكّدت مدير منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" إلهام السعودي: "لا يمكن اعتبار تصريح رئيس الوزراء علي زيدان رد فعل كافٍ إزاء ما يحصل. فهو بمثابة بيان صادر عن مراقب خارجي وليس عن مسؤول رسمي. فهذا الكلام غير النابع من القلب لا يكفي لضمان السلم ومنع الاعتداءات المستقبلية، ولا يفي بالمسؤوليات القانونية الدولية الواقعة على عاتق الحكومة."
وأضافت: "تتحجّج الحكومة الليبية بأنّ عدم تحرّكها لإيقاف العنف ونزع السلاح من أيدي هذه المجموعات ينبع من الرغبة في تجنّب المواجهات ومنع أعمال العنف. وهذه الاستراتيجية غير مقبولة و أثبتت عدم فعاليتها. بل هي استراتيجية قد سوّقت لثقافة الحصانة والإفلات من العقاب في كل ما له علاقة بانتهاكات حقوق الإنسان." ذلك أنه من امتناع الحكومة عن التحرّك والإتيان بأي رد فعل، تتكسب الجهات غير المنتسبة للدولة، كالميليشيات، ما تتمتع به من شرعية بحكم الواقع. فبعد أن سمحت الحكومة الليبية لهذه الميليشيات بتنفيذ وظائف الدولة من غير التحقق منها لأشهر، تتحمّل وحدها المسؤولية عن الأعمال الوحشية التي ارتكبت في عطلة نهاية الأسبوع بحق أناس مسالمين وغير مسلّحين. فليس بإمكان الحكومة الليبية الآن التخلّي عن مسؤوليتها حيال هذه المجموعات غير الخاضعة لأي مساءلة أو محاسبة.
وليست التظاهرات التي عمّت الشوارع في عطلة نهاية الأسبوع سوى دلالة على الاستياء الشعبي المتنامي حيال الميليشيات الباسطة هيمنتها في ليبيا. وقد أكّدت السعودي: "يجب أن تتصرّف الحكومة الليبية باسم الأكثرية التي ترفع راية السلم، لا أن تقوم باستمرار بالتنازل لطلبات أقلية تتخذ من العنف عنواناً لوجودها."
فلضمان حماية حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف، تحث منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" الحكومة الليبية على طرد الميليشيات من طرابلس ومن مؤسسات الدولة وعلى الفور، كما هو منصوص عليه في القرار رقم 27 الصادر عن المؤتمر الوطني العام. كما على الحكومة أيضاً أن تضمن تفكيك الجماعات المسلّحة غير التابعة للدولة تطبيقاً للبند الثالث من قرار المؤتمر الوطني العام رقم 53. ويجدر بالحكومة أن تعيد التأكيد على التزامها بوقف التمويل الحكومي للميليشيات في ديسمبر 2013، والتحقيق في أحداث 15 و16 نوفمبر 2013، وإخضاع مرتكبيها للمساءلة عن الجرائم التي نفّذوها.
ما شهدته عطلة نهاية الأسبوع من أعمال وحشية يسلّط الضوء من جديد على حاجة ليبيا لقوة أمنية خاضعة للمحاسبة تقوم بما يلزم لحماية الشعب. وعليه، يجب على الحكومة الليبية أن تشدّد على مبدأ المساءلة عوضاً عن الدمج عند النظر في إدخال المجموعات المسلّحة غير المنتمية للدولة ضمن مؤسساتها.
تطالب منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" الحكومة الليبية أن تضمن أن وحدهم الأفراد الذين لم تثبت إدانتهم ولم يشتبه بهم في القيام بأي انتهاكات لحقوق الإنسان أو أي جرائم من أي نوع هم الذين يتم إدماجهم في المؤسسات العسكرية للدولة. وأضافت السعودي: "لضمان ذلك، يجب أن يتخذ القرار بشأن دمج الميليشيات بعد التحقّق من أعضائها فرداً فرداً وعلى أساس كل حالة على حدة وليس بناءً على سمعة الميليشيا كجماعة. كما يجب على الحكومة ألا تقدم العفو في أي عملية دمج عن الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة. يجب أن تقرّ الحكومة بهذه المبادئ وتعترف بها اعترافاً رسمياً عندما تعمل على التخطيط لدمج الميليشيات في مؤسسات الدولة، تماشياً مع الفقرة 4 من القرار رقم 53 الصادر عن المؤتمر الوطني العام.
الصورة ومقطع الفيديو أدناه يوثقان مراسم التشييع الأولى بعد الاعتداءات. في 16 نوفمبر 2013، وري في الثرى أكثر من عشر ضحايا.
الصورة © 2013 عيسى الهتش، إنتاج
http://www.youtube.com/watch?v=VPKdIgZp8bQ
الفيديو© 2013 طارق الميري
إزاء الاضطرابات المستمرّة في ليبيا، من المهم اليوم أكثر من أي وقت مضى أن تجعل صوتك مسموعاً. فدستور ليبيا المقبل هو الفرصة لانطلاقة جديدة لبلادنا ومناسبة للشعب الليبي يعيد فيها التأكيد على توقعاته من الحكومة. أخبرنا عن أشكال الحماية التي تتأمل أن ينصّ عليها الدستور على العنوان.