رحّبت منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" بالالتزامات بالشفافية والشمولية التي عبّر عنها رئيس الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور علي الترهوني، في مؤتمر صحفي له في 1 مايو 2014. كما نوّهت بالجهد الذي بذلته الهيئة التأسيسية من أجل االدفع قدماً بعملية صياغة الدستور، وبإقدام المفوضية الوطنية العليا للانتخابات على عقد الانتخابات التكميلية في 26 أبريل من أجل شغل خمس من المقاعد الشاغرة للهيئة. ولكنها لفتت إلى أنّ عدد أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور لم يكتمل بعد، وأعربت عن تخوّفها من القرار الذي اتخذته الهيئة بعقد اجتماعها الأول في 21 أبريل 2014، في غياب 12 عضواً من أعضائها. وفي جلستها الأولى، انتخبت الهيئة علي الترهوني رئيساً لها وقامت بمناقشة لائحتها الداخلية، التي قد تم الاتفاق عليها منذ ذلك الحين. يبقى أنّ البدء في صياغة الدستور قبل اكتمال تشكيل الهيئة التأسيسية أمر قد يحدّ من شمولية العملية وقد يهدّد بإقصاء مجتمعات برمتها في ليبيا عن عملية إعداد الدستور. جدير بالذكر أنّ الهيئة التأسيسية قد كُلّفت بمهمة صياغة دستور دائم للبلاد يلبي مصالح الليبيين جميعاً.
وقد عقدت الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور مؤتمراً صحفياً لها في 1 مايو 2014 من أجل الإدلاء بمعلوماتٍ حول تقدّم مسار عملها. وفي هذا السياق، تشيد منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" بما أشار إليه علي الترهوني من التزام بمسألتي الشفافية والشمولية، ورأت في القرار القاضي بقيام أعضاء الهيئة بجهود التوعية العامة في دوائرهم الانتخابية الأسبوع المقبل خطوةً إيجابيةً في الاتجاه الصحيح. كما رحّبت المنظمة أيضاً بالاقتراحات التي أدلت بها الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور والمتمثّلة في نشر لائحتها الداخلية، وتسجيل كافة جلساتها. ولكن لا بدّ من تذكير الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور، أنهّ، وبرغم ما تتسم به هذه الإجراءات من إيجابية، فلن تكون مجديةً ما لم تنطبق على هيئة مكتملة الأعضاء تمثّل المواطنين جميعاً.
ومن المعلوم أنّ الانتخابات الأولية للهيئة التأسيسية لصياغة الدستور التي عقدت في 20 فبراير 2014، والانتخابات التكميلية التي تلتها في 26 فبراير 2014 لم تسفر عن تشكيل هيئة تأسيسية مكتملة الأعضاء. وقد تميّزت الانتخابات الأولية كما التكميلية باعتداءات على عدة مراكز اقتراع، كما قوطعت الانتخابات من جانب الأمازيغ وبعض المجموعات من قبائل التبو.
تعمل المفوضية الوطنية العليا للانتخابات حالياً على تنظيم جولة انتخابية ثالثة من أجل ملء المقاعد الإثني عشر المتبقية والتي بقيت شاغرةً بعد انعقاد الانتخابات الأولية والتكميلية. وعليه، فقد جرتالانتخابات في مرزق والكفرة بتاريخ 26 أبريل 2014، وأسفرت عن انتخاب خمسة أعضاء آخرين (إلا في حال صدور أي قرارات استئنافية أخرى)، من بينهم إثنان لشغل مقعدين من المناصب المخصصة لقبائل التبو. ومن المقرّر أن تجري انتخابات أوباري في 3 مايو 2014، في وقتٍ لم تحدّد فيه بعد تواريخ الانتخابات في كلّ مندرنة، وتوكرة. لاتيزال 7 مقاعدإذاً من أصل 60 من مقاعد الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور شاغرةً، وتبقى الأمازيغ وغيرها من المجتمعات الأخرى غير ممثلة فيها.
وكما سبق وأشارت منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" في بيانٍ لها مؤخراً، إنّ وجود مقاعد شاغرة ضمن الهيئة يحدّ من شرعية الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور ويهدّد في عرقلة عملية إعداد الدستور برمتها. فما يزيد عن 20% من الممثلين الذين سيتولون صياغة الدستور، والذين يمثّلون شرائح هامة من الشعب الليبي، لم يشاركوا في عملية صياغة الدستور حتى الآن. وفي حال تم شغل المقاعد الخمسة المنتخبة في 26 أبريل، فعندئذٍ تبقى نسبة تزيد عن 10% من الشعب غير ممثلة، في انتظار أن تجري الانتخابات لشغل المقاعد السبعة الأخيرة.
تجدر الإشارة إلى أنّ العملية الانتخابية نفسها كانت قد تعرّضت لمشاكل خطيرةفي ما يتعلقبالشمولية،جرّاء نسبة المشاركة المتدنيةفي الانتخابات إذ لم يتعدّ عدد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم النصف مليون ليبي. فضلاً عن ذلك، وبسبب تخصيص اللوائح المحصورة بالنساء لعددٍ محدود جداً من المقاعد، لم يحظالناخبون في عدد كبير من الدوائر بفرصة لانتخاب النساء. تؤثر هذه القضايا كلّهابشكلٍ سلبي وخطير على شرعية الهيئة، ويضاف إليها قرار البدء بصياغة الدستور من دون اكتمال عدد أعضاء الهيئة التأسيسية.
على ضوء هذه المخاوف، تناشد منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور بعدم اتخاذ أي قرارات هامة أو إجرائية تتناول الدستور المستقبليّ لليبيا ما لم تتشكّل الهيئة بالكامل، وما لم يتم انتخاب الممثلين المتبقين، وشغلهم لمناصبهم. إذ يجب أن تلتزم عملية صياغة الدستور بالأصول القانونية المحددة في المادة 2 من القانون رقم17، والتي تنص على أن تُشكّل الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور من ستين عضواً. كما تكرّر "محامون من أجل العدالة في ليبيا" دعوتها لاحترام التزامات ليبيا التي تعهّدت بها في الجلسة العامة الخامسة والعشرين لمجلس حقوق الإنسان والقاضية بـ"ضمان مشاركة جميع أفراد المجتمع بقدر الإمكان في عملية صياغة الدستور". لذلك، فإنّ البدءبعملية صياغة الدستور على خلفية استبعاد شرائح كبرى من المجتمع الليبي أمر كفيل بإثارة نزاعات قانونية ودستورية في المستقبل.
سيؤدي الدستور الليبي الجديد، والذي من المفترض أن ينشئ عقداً اجتماعياً جديداً ما بين الدولة والمواطنين، دوراً محورياً في رسم ملامح مستقبل البلاد، وبالتالي فهو بحاجة للدعم الكامل والشامل من الشعب الليبي، ولملكية المواطنين الليبيين لوثيقة بلادهم. فلا بد من أن يمثل هذا الدستور إذاً النسيج الثقافي والاجتماعي الكامل لليبيا. وعليه، تحثّ منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور على تشجيع المشاركة والمساهمة من قبل السواد الأعظم من الليبيين. وفي هذا السياق، تعلّق مدير منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا"، إلهام السعودي بقولها: "ننوّه بالتزام الهيئة التأسيسية لصياغة الدستور بمسألة الشمولية، ونحثها على منح الأولوية لانتخاب ممثلي المقاعد المتبقية، وعلى الاستمرار في نشاطات التوعية العامة ونشرها على نطاق واسع بهدف الفوز بدعم المواطنين. فهذا الأمر مهمّ لضمان صياغة دستور دائم للبلاد. فليبيا بحاجة لدستور جوهري، يحقق التوافق." وأضافت: "تتطلّع "محامون من أجل العدالة في ليبيا" لأن تشارك الهيئة بالنتائج التي خلصت إليها نشاطات التوعية والاتصالفي سياق برنامج دستوري في أقرب وقت".