قبل أيام على انعقاد مؤتمر برلين الثاني حول ليبيا المقرّر في 23 يونيو، تدعو محامون من أجل العدالة في ليبيا جميع المشاركين إلى منح الأولوية لحقوق الإنسان والمساءلة وسيادة القانون، ووضع إطار زمني واضح ونقاط مرجعية محدّدة لمراقبة التقدّم الذي تحرزه السلطات الليبية.
ويبحث المؤتمر الذي يستضيفه كلّ من وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في التقدّم الذي تمّ تحقيقه منذ الاجتماع الأول في يناير 2020 ويناقش الخطوات المقبلة باتجاه تحقيق سلام مستدام في ليبيا.
ومن المعلوم أنّ أي عملية سياسية تهدف إلى التأسيس للسلام المستدام يجب أن تُبنى على حقوق الإنسان والمساءلة وسيادة القانون، ويتطلّب ذلك من الفريق العامل المعني بالقانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان عدم النظر في هذه المسائل بمعزلٍ عن بعضها البعض، بل أن يتمّ تعميمها في جميع مسارات عملية برلين.
ولا شكّ أنّ تقدّماً قد سُجّل على أكثر من صعيد منذ مؤتمر برلين الأول. وعلى الأخص، فقد انخفضت الأعمال العدائية بشكلٍ ملحوظ ويسري وقف لإطلاق النار منذ 23 أكتوبر 2020. علاوةً على ذلك، ووفقاً لخارطة الطريق للمرحلة التمهيدية للحل الشامل (خارطة طريق ملتقى الحوار السياسي الليبي)، أوكلت إلى حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة والمجلس الرئاسي الجديد مهمة توجيه البلاد نحو انتخابات سلمية من المزمع إجراؤها في 24 ديسمبر 2021.
ولكنّنا متخوّفون من إمكانية ألاّ يستمرّ هذا التقدّم، إذ ما زالت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والجرائم الدولية الخطيرة كالتعذيب والاختفاء القسري والاحتجاز التعسّفي واستهداف المدنيين والبنى التحتية المدنية والإتجار بالمهاجرين وتهريبهم، تُرتكب في مختلف أرجاء البلاد. وما زال الجناة ينعمون بإفلات تام من العقاب في ظلّ غياب المساءلة الذي يُسهم في مناخ ينعدم فيه القانون ويؤدي إلى استمرار حلقة العنف. وفي الواقع، يتيسّر استهداف المدنيين والبنية التحتية المدنية بسبب انتشار الأسلحة في انتهاك لحظر السلاح الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في العام 2011، بما في ذلك الدول المشاركة في مؤتمر برلين الأول. ويحدث كلّ ذلك رغم تعهّد هذه الدول باحترام القانون الدولي الإنساني وحظر توريد الأسلحة والالتزام بحلّ غير عسكري في ليبيا. ويتمّ بالتالي خرق نظام الجزاءات الذي وضعه مجلس الأمن لضمان التقيّد بحظر السلاح مع إفلات تام من العقاب، على حدّ ما وثقه فريق الخبراء في تقريره الأخير والذي وصف حظر توريد الأسلحة بـ"غير الفعَّال على الإطلاق".
كما أنّنا قلقون أيضاً لأنّه ما زال هناك الكثير مما يتعين القيام به لإجراء الانتخابات بنجاح. فلكي تُجري الانتخابات بحرية ونزاهة وأمان، على السلطة التنفيذية المؤقتة، ممثلةً بحكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي، القيام بسبع أمور ذات أولوية على مر السبعة أشهر القادمة، بما في ذلك حماية الحق في حرية التعبير والحق في حرية التجمّع وتكوين الجمعيات.
وليس اختطاف رئيس جمعية الهلال الأحمر فرع مدينة أجدابيا، الناشط المدني منصور عاطي المغربي مؤخراً إلاّ تذكيراً قاسياً بالثمن الذي يدفعه الليبيون والمقيمون في ظلّ انتشار ثقافة الإفلات من العقاب عن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والجرائم الدولية. وقد وقعت عملية الاختطاف كجزء من نمط منتشر على نطاق واسع من أعمال الاحتجاز التعسّفي والتعذيب والاختفاء القسري. إذ تُقدم المجموعات المسلّحة غير المنتمية للدولة والميليشيات باستمرار على تهديد الناشطين والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والاعتداء عليهم وقتلهم من أجل إسكات الأصوات المعارضة. وتواجه النساء خصوصاً تمييزاً واسعاً النطاق ويتعرّضن للاستهداف عبر المواقع الإلكترونية وفي الحياة اليومية من خلال حملات التشهير والعنف على خلفية آرائهنّ السياسية أو عملهنّ في مجال حقوق الإنسان. ويندرج اغتيال المحامية والناشطة السياسية حنان البرعصي في نوفمبر 2020 ضمن نمط مقلق من الاعتداءات العنيفة ضدّ النساء البارزات بسبب انتقادهنّ لسياسة السلطات والميليشيات التابعة لها.
هذا ولم ينجح مؤتمر برلين الأول في معالجة قضية الهجوم على منظمات المجتمع المدني في ليبيا رغم القيود المتزايدة على عملها. ففي العام 2019، أصدرت حكومة الوفاق الوطني قيوداً صارمةً على منظمات المجتمع المدني وطلبت منها الحصول على إذن مسبق قبل التسجيل، وإجراء الأبحاث، وجمع الأموال، والمشاركة في الأحداث أو المناسبات أو التواصل مع السفارات الأجنبية أو المنظمات الدولية. كما فرضت حكومة الوفاق الوطني أيضاً حظراً شاملاً على منظمات المجتمع المدني المنخرطة في أي "عمل سياسي" من دون تحديد معنى هذا المصطلح. أما عدم الالتزام بتلك القيود فتترتب عليه مسؤولية قانونية ووقف للنشاطات وفي نهاية المطاف الإغلاق الكامل للمنظمة. وعوض الابتعاد عن مثل هذه القيود، تستمرّ حكومة الوحدة الوطنية بالتمسك بها عن طريق اتخاذ تدابير إضافية تشدّد الخناق على المساحة المدنية. وتفاقم هذه القيود من آثار الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان فتؤثر بشكلٍ سلبي وخطير على الحق في حرية التعبير والحق في حرية التجمّع وتكوين الجمعيات، وتقوّض المشاركة في العملية الديمقراطية. ولمّا كان عمل المجتمع المدني عنصراً أساسياً للديمقراطية والسلام المستدام، فإنّه يتعيّن على مؤتمر برلين الثاني معالجة هذه القضية بشكلٍ واضحٍ وصريح.
على المشاركين في مؤتمر برلين المقرّر انعقاده في 23 يونيو تحديد الخطوات الملموسة التي من شأنها معالجة هذه القضايا وتنفيذ الالتزامات السابقة المتمثلة في احترام حقوق الإنسان والمساءلة وسيادة القانون.
وعلى ضوء ما سبق، فإنّ منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا تدعو المشاركين في مؤتمر برلين الثاني إلى القيام بما يلي:
جهات الاتصال
للمزيد من المعلومات أو لترتيب مقابلة مع أحد المتحدّثين الرسميين، يرجى الاتصال: