تم استهداف مركز لاحتجاز المهاجرين واللاجئين بالقصف الجوي في تاجوراء، في ضواحي طرابلس يوم الثلاثاء الموافق 2 يوليو 2019 . وقد أودى هذا الاعتداء بحياة 46 شخصاً و إصابة ما يزيد على 130 آخرين بجروح بالغة. ويزعم أنّ مأوى المهاجرين في تاجوراء التابع لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية قد تعرّض لغارةٍ جوية أطلقتها القوات المسلّحة العربية الليبية (أو الجيش الوطني الليبي) بقيادة المشير خليفة حفتر. وفيما أعلنت حكومة الوفاق الوطني أنّ المركز تعرّض لاستهداف مباشر من قبل الجيش الوطني الليبي، و زعم الأخير أنّ الهجوم كان يستهدف في الأصل مستودعاً للأسلحة يقع بجوار مركز الاحتجاز. و حيث أنّ القانون الدولي الإنساني يحظر استهداف المدنيين والأعيان المدنية، فإنّ هذا الاعتداء الغادر على مركز احتجاز المهاجرين الذي يأوي المئات من الرجال والنساء والأطفال قد يرقى إلى جريمة حرب.
وقالت مروة محمّد، المسؤولة عن برنامج المناصرة والتوعية في منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا: "لكلّ فرد الحق في الحياة ولا يجوز حرمان المهاجرين واللاجئين وملتمسي اللجوء من هذا الحق؛ يجب كخطوة أولى الإفراج الفوري عن جميع المهاجرين المحتجزين وإبعادهم عن خطوط القتال ضماناً لسلامتهم". فهذه الحادثة المأساوية بالإضافة الي ما حدث الأسبوع الماضي في غريان دليل على الحاجة الماسة إلى إنشاء آلية مستقلة للتحقيق في هذه الجرائم التي يتم ارتكابها في ليبيا بشكلٍ عاجل وفوري. وكانت قد أفادت التقارير عن وقوع عمليات قتل خارج نطاق القضاء في مستشفى غريان الأسبوع الماضي بعد أن أقدم مقاتلون موالون لحكومة الوفاق الوطني على تصفية جرحى من الجيش الوطني الليبي. وأضافت محمّد: "على المجتمع الدولي التحرّك فوراً لإنشاء آلية متخصّصة تتولى التحقيق في هذه الانتهاكات وغيرها من الجرائم التي ترقى لمستوى جرائم حرب، من أجل تحديد مرتكبيها و اجلابهم للعدالة."
وليست هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها منطقة تاجوراء منذ إنطلاق العملية العسكرية للسيطرة على طرابلس في شهر أبريل الماضي. و تعتبر تاجوراء منطقة ذات كثافةٍ سكانيةٍ عالية، وسبق أن تعرّضت لاعتداءات منذ أبريل الماضي حيث هدم فيها العديد من المنازل وسقطت الصواريخ في أماكن قريبة من مركز احتجاز المهاجرين. ومع ذلك، لا يزال المركز يأوي ما يقارب 600 شخص. وقد زعم الجيش الوطني الليبي أنّ الهجوم كان يستهدف مستودعاً للأسلحة بجوار المركز وأنّ حكومة الوفاق الوطني تستخدم المهاجرين كدروع بشرية.
منذ اندلاع النزاع المسلح في طرابلس في 4 أبريل 2019 و الذي بدأ بالعملية العسكرية التي أطلقها الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر للسيطرة على العاصمة، يتم تدفق الأسلحة إلى داخل البلاد و التي تورّدها القوات الحليفة الداعمة للفصائل المتقاتلة في الميدان. و يعتبر هذا خرقٍ مباشرٍ لحظر تصدير الاسلحة الذي فرضه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة علي ليبيا. و رغم ذلك يتم تواصل توريد الأسلحة العسكرية الرفيعة المستوي إلى أيادي الميليشيات المتقاتلة من الجانبين. و ذلك في وقت عصيب جداً، حيث انه لا يمكن للجيش الوطني الليبي ولا لحكومة الوفاق الوطني أن يزعما أنّهما يملكان مؤسسةً عسكريةً ذات بنية قيادية وسيطرة واضحة أو عناصر مدرّبة تدريباً يسمح لهم باستعمال مثل هذه الأسلحة. ويذكر أنّ القتال قد حصد منذ بدايته أرواح 783 شخصاً من بينهم مدنيين كما أوقع ب 4407 جرحى منهم 137 مدنياً.
وقالت محمّد: "خرق حظر تصدير الاسلحة يسهم في تغذية الصراع المسلح ويجعل من الدول التي تقوم بنقل هذه الأسلحة إلى عناصر غير مدرّبة شريكةً في الجرائم التي ترتكب ويجب أن يتم محاسبتهم. فبدلاً من نقل الأسلحة وفرش السجادة الحمراء لأطراف الصراع، يجب على الجهات الدولية إخضاع أطراف النزاع للمساءلة والعمل على وضع حدّ لأعمال العنف."
ومن الجدير بالذكر أنّ جميع الأشخاص القابعين في مراكز احتجاز المهاجرين التابعة لجهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية قد تم ارجاعهم الي ليبيا بعد أن تمّ توقيفهم في البحر على يد خفر السواحل الليبي. و تم نقلهم بعد ذلك إلى مراكز احتجاز جهاز مكافحة الهجرة غير الشرعية. و رغم اندلاع الحرب، لا تزال سياسة الاتحاد الأوروبي ترتكز على دعم خفر السواحل الليبي لضمان توقيف اللاجئين والمهاجرين الذين يحاولون أن يلوذوا بالفرار هرباً من النزاع وإعادتهم إلى ليبيا حيث لا مكان للهروب. و ترتبط هذه السياسة ارتباطاً وثيقاً بأحداث تاجوراء، وعلى الاتحاد الأوروبي أن يتحمّل مسؤولية مقتل هؤلاء الضحايا.
وأضافت مروة: "لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتهرّب من مسؤوليته وأن يستمرّ في مزاولة نشاطاته كالمعتاد، والإبقاء على سياسته المتمثلة في التصدّي للاجئين والمهاجرين ومنعهم من الوصول إلى برّ الأمان. يجب أن يتحمّل الاتحاد الأوروبي نصيبه من المسؤولية وأن يضمن الإفراج الفوري عن اللاجئين والمهاجرين في ليبيا وتأمين عبورهم الآمن إلى أوروبا."