بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، تودّ منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" إحياء ذكرى الصحفيين الذين يتعرّضون للملاحقة، والاعتداء، والاحتجاز، والذين قضوا حتفهم أثناء أداء عملهم. يعمل الصحفيون والعاملون في مجال حرية التعبير اليوم وسط بيئة تنتشر فيها الأعمال العدائية، وتشدّد "محامون من أجل العدالة في ليبيا" على ضرورة أن تتخذ الدولة الليبية الإجراءات الطارئة للتحقيق في الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان، وإخضاع مرتكبيها للمساءلة. كما أنها تطالب السلطات الليبية أيضاً باتخاذ الخطوات الإيجابية لتوفير إطار قانوني يسمح بتمتع المواطنين بهذا الحق ويحول دون التحريض على العنف في الإعلام.
الاعتداءات على الإعلاميين
في هذه الأيام، بات كل شخص يتنقل حاملاً الكاميرا أو يبدو عليه أنه مراسل أو صحفي معرّضاً للخطر. وعلى اعتبار أنّ عدد الانتهاكات ضدّ الصحفيين والناشطين قد ارتفع على مرّ العام الفائت، فقد صُنّفت ليبيا اليوم في المرتبة 154 من أصل 180 دولة، بحسب مؤشر الترتيب العالمي لحرية الصحافة لسنة 2015، مسجّلةً تراجعاً من المرتبة 131 في العام 2013.
في الأسبوع الأخير، وبتاريخ 27 أبريل 2015، عُثر على جثث خمسة أفراد من طاقم قناة "برقة" التلفزيونية خارج مدينة البيضاء بعد ثمانية أشهر على اختطافهم. وكان الصحفيون قد فُقدوا منذ أغسطس الماضي حين غادروا مدينة طبرق متجهين نحو أجدابيا عقب تغطيتهم مجريات جلسة افتتاح مجلس النواب المنتخب. وقبل أيام من العثور على جثث الصحفيين الست، في 22 أبريل 2015 تحديداً، اغتيل الإعلامي الليبي مفتاح القطراني رمياً بالرصاص في مكاتب شركته الإعلامية، الأنوار للإنتاج، وذلك بعد أن كان قد أعدّ تقارير إعلامية غطّى فيها أحداث الصراع الدائر بين مجموعات المقاتلين في بنغازي.
ومن اللافت أنّ هذه الاعتداءات والانتهاكات ضدّ حقوق الإنسان تنفّذ وسط حصانةٍ تامةٍ لمرتكبيها، حيث لم تتخذ الدولة الليبية حتى اليوم أي إجراءات للتحقيق في هذه الجرائم ولم تلاحق الجناة لمحاسبتهم على أعمالهم. وقد ساهمت هذه الأوضاع في إشاعة بيئة من العدائية تجاه العاملين في مجال حرية التعبير، فالتجأ الكثير منهم للحماية خارج البلاد. أما من بقى منهم في ليبيا فيخضع للضغوط المتزايدة التي تحتّم عليه تطبيق الرقابة الذاتية أو تعديل سلوكه وأعماله ليحافظ على سلامته. وبالرغم من أنّ الإعلام الليبي قد عرف ازدهاراً تلا الثورة عام 2011، بعد تأسيس ما يقارب الخمسين محطة تلفزيونية، وعشرات الإذاعات، والعديد من الصحف اليومية، إلاّ أنّ الفشل في حماية الإعلاميين والحفاظ على سلامتهم يدلّ على أنّ المساحة المخصّصة لوسائل الإعلام تتراجع شيئاً فشيئاً. وقد أكّدت "محامون من أجل العدالة في ليبيا" في التقرير الذي أصدرته ضمن مشروع صوتي، أنه في الفترة بين سبتمبر ونوفمبر من العام 2014 وحدها، تعرّضت سبع مؤسّسات إعلامية للاعتداء، وتمّ إغلاق مؤسستين أخريين، ما يبيّن التأثير الخطير للإخفاق في حماية الإعلاميين وتعزيز الحق في حرية الصحافة.[1]
الإطار القانوني الحالي
يجب أن توفّر الدول الليبية إطاراً قانونياً يرسّخ الحق في حرية التعبير على نحوٍ يحترم الالتزامات القانونية الدولية لليبيا ويتماشى مع طموحات الشعب الليبي. فالقوانين المحلية المتعلقة بحرية التعبير في ليبيا تتضمّن عدداً من الأحكام المقيّدة لهذا الحق، والمخالفة للإعلان الدستوري الليبي الصادر في 3 أغسطس 2011 وللالتزامات الدولية لليبيا. فبالإضافة إلى القوانين الصادرة قبل العام 2011 المقيّدة للحق في حرية التعبير والسارية حتى اليوم، أُقرّت قوانين وقرارات جديدة على مرّ الأعوام الأربعة الماضية تطرح إشكالياتٍ مماثلة ولا تزال قيد التطبيق حتى الآن، ومنها:
بتاريخ 24 ديسمبر 2014، نشرت الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور المقترحات والتصوّرات المبدئية للجان النوعية. وعلى الرغم من أنّ التوصيات الصادرة عن اللجنة النوعية السادسة لباب الحقوق والحريات تقرّ بحق التعبير وحرية الفكر، إلاّ أنّها تفرض قيوداً تفصيلية عليه.فالدولة تضمن حرية الصحافة والإعلام وتعدديتها واستقلالها وفق حظر الرقابة السابقة عليها، "إلا في حالة الحرب"، وذلك في ما يتعلق بالمواطنين الليبيين فقط. وبالتالي، فإنّ عدم سريان هذا الحظر بشكلٍ شاملٍ يحدّ من نطاق أهميته وقد يؤدّي إلى مزيد من القيود التعسّفية. ومن الأسباب الداعية للقلق أيضاً التوصية التي تنصّ على "حظر تزييف الحقائق عمداً"، وهي غير محدّدة وتتجاوز القيود المقبول بها والمنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966. فمن الضروري عند فرض أيّ قيود على الحق في حرية الصحافة والتعبير أن تتمّ مراعاة الشروط التي يحددها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويجب أن يكون تفسيرها في نطاق هذه الشروط أيضاً. ولا بد من أن يمثّل الدستور معياراً يضمن تطبيق الحقوق ضمن نطاق واسع وبأقلّ قيود ممكنة.
خطابات الكراهية والتحريض على العنف
يتأثر عمل الإعلاميين والمراسلين في ليبيا بالنظام السياسي الهش والتسييس المتزايد الذي يخضع له المجتمع. فقد انتشرت في البلاد خطابات الكراهية والتحريض على العنف، ما ساهم في القضاء على التعددية، وفي تغذية الانقسامات داخل المجتمع الليبي، من خلال تقديم المعلومات الخاطئة والحضّ على الاعتداءات وعمليات الاغتيال. ومن المعلوم أنّ التعددية الإعلامية أمر أساسي لإنشاء مجتمع ديمقراطي فعّال تعمل فيه وسائل الإعلام على ضمان المساءلة والشفافية من خلال فتح باب الحوار التمثيلي والنقاش الواعي. إلاّ أنّ التسييس الإعلامي السائد حالياً يشكّل خطراً وتهديداً على هذا الدور الأساسي للإعلام.
بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، صرّحت مدير منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا"، إلهام السعودي بقولها: "تخلّ الدولة الليبية بالتزاماتها الدولية والمحلية التي تملي عليها احترام الحق في حرية التعبير. ومن الضروري أن تكفل الدولة التمتع الكامل بهذا الحق، لمساعدة ليبيا في مسارها للتقدّم نحو الديمقراطية، وذلك من خلال توفير الحماية للعاملين في قطاع الإعلام، وإشاعة بيئة تدعم حرية التعبير والإعلام الحر وتشجّع عليهما".
وعليه، تطالب منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" الدولة الليبية باتخاذ الإجراءات الطارئة لضمان حق الإعلاميين في نقل الأخبار دون خوف من الانتقام، ووضع حدّ للحصانة التي يتمتع بها مرتكبو الاعتداءات والاغتيالات، وإلغاء التشاريع المقيّدة للحق في حرية التعبير والصحافة، واعتماد دستور يرسخ هذا الحق بالحدّ الأمثل الممكن.
[1] https://drive.google.com/file/d/140g7ZUSjEO-0WQQnMJpDwkCvC9OKr_sE/view?usp=sharing، الصفحة 7