بتاريخ 29 يونيو 2022، أصدرت المحكمة الفيدرالية بولاية فرجينيا الأميركية حكماً غيابياً يدين قائد القوات المسلّحة العربية الليبية خليفة حفتر بارتكاب جرائم حرب. ويشكّل هذا الحكم غير المسبوق انتصاراً كبيراً لأصحاب الشكاوى، وليس هذا فحسب، بل يمثّل أيضاً بارقة أمل لآلاف الضحايا الآخرين في ليبيا الذين ما زالوا بانتظار أن تتحقّق العدالة.
"إنّ القرار الذي أصدرته المحكمة الفيدرالية بولاية فرجينيا الأسبوع الماضي هو الأول من نوعه، ولا شكّ أنّه يمثّل خطوةً مشجّعةً إلى الأمام على درب إنهاء الإفلات من العقاب المنتشر في ليبيا فيما يتعلّق بجرائم الحرب. وإذ أثبت القضاء الليبي عدم مقدرته وعدم رغبته في محاسبة مرتكبي الجرائم الدولية الخطيرة، فإنّ قرار المحكمة الأميركية يبعث رسالة أمل للضحايا الذين ينتظرون بشوق تحقّق العدالة في أرجاء البلاد." هذا ما صرّحت به مروة محمّد، رئيسة المناصرة والتوعية في منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا.
وكانت قد رُفعت ثلاث دعاوى منفصلة ضدّ خليفة حفتر في الفترة ما بين يونيو 2019 ومارس 2020 من جانب مدّعى عليهم مختلفين، من بينهم ضحايا للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيّئة، بالإضافة إلى عائلات الضحايا المدنيين الذين قُتلوا بالضربات الجوية وهجمات القصف العشوائي التي قادتها القوات المسلّحة العربية الليبية. وفي هذه الدعاوى المدنية، طالبت العائلات بالتعويض عن أفرادها بموجب قانون حماية ضحايا التعذيب لعام 1991 الذي يسمح لغير المواطنين الأميركيين بالمطالبة بالتعويض من الأفراد الذين تصرّفوا بصفة رسمية تابعة لأي دولة أجنبية، وارتكبوا وفق الادعاءات أفعال تعذيب أو قتل خارج نطاق القضاء.[i]
وفي 10 يونيو 2022، تقدّم القاضي جون أندرسون بأمر يوصي القاضية الرئيسية للمحكمة الفيدرالية بولاية فرجينيا، ليوني بريكيما، بإصدار حكم غيابي ضدّ حفتر، في إشارة إلى أنّه "على الرغم من خطورة الادعاءات المطروحة، فقد رفض المدعى عليه المثول لتقديم إفادة ملحوظة ومُحدَّدة الموعد على النحو الملائم بعد عدة سنوات من التقاضي". وأضاف أنّ "الرفض القاطع والمستمرّ للوفاء بالالتزامات القضائية في المرحلة الاستكشافية للمحاكمة إنما يدعم بالكامل استنتاجاً بسوء النية."[ii]
ويعدّ هذا القرار ذا أهمية كبرى بالنسبة إلى المدعين وعائلاتهم، إذ يمنحهم الإقرار والتعويض عمّا عانوه من خسائر وإصابات. كما يتردد صدى هذا الحكم بقوة في ليبيا بين الضحايا وأولئك الذين يعملون من أجل العدالة أيضاً.
"لا شكّ أنّ هذا الخبر هو خطوة كبرى على درب المساءلة والعدالة والإنصاف للضحايا. ونحن نعتقد أنّ هذا القرار يشكّل نقطة البداية بالنسبة للدعاوى الأخرى التي يمكن أن تقام ضدّ خليفة حفتر والكثيرين غيره." هذا ما قاله علي العسبلي، رئيس منظمة رصد الجرائم الليبية، وهي منظمة معنية بحقوق الإنسان في ليبيا.
ويواجه حفتر أيضاً شكويين رُفعتا ضدّه في فرنسا فيما يتعلّق بادعاءات الجرائم، بما في ذلك التعذيب، المرتكبة في بنغازي، الأولى في العام 2014 والثانية في عام 2016/2017.[iii] وفي 24 نوفمبر 2022، أشار كريم خان، مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية في إحاطته إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أنّ مكتبه يحقق في ادعاءات الجرائم الواقعة ضمن ولايته والمرتكبة في مركزيْ احتجاز قرنادة والكويفية.[iv]
وردّدت تقارير البعثة المستقلة لتقصّي الحقائق في ليبيا هذه الادعاءات، مشيرةً إلى أنّه في سجون عدة خاضعة للقوات المسلّحة العربية الليبية، "وتُظهر الأدلة التي تم جمعها الاستخدام المنهجي للاحتجاز التعسفي المطول وكذلك أعمال القتل والتعذيب والاغتصاب وغيرها من الأعمال اللاإنسانية ضد السكان وأغلبهم من المدنيين في هذه السجون، بما في ذلك الفئات الضعيفة. وتوصلت البعثة إلى أسباب معقولة للاعتقاد بأن الجرائم ضد الإنسانية تحدث في هذه السجون في سياق هجوم ممنهج ضد أولئك المشتبه في انتمائهم إلى منظمات إرهابية، أو لقمع حرية التعبير والفكر والانتماء بهدف إسكات المعارضين الأيديولوجيين والصحفيين والنشطاء والمنتقدين الفعليين أو المفترضين للجيش الوطني الليبي."[v]
وعملت محامون من أجل العدالة في ليبيا من جهتها، منذ العام 2011 على توثيق حالات انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وجرائم دولية خطيرة مرتكبة من قبل جميع الأطراف في ليبيا، بما فيها التعذيب، وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والاختفاء القسري، والاحتجاز التعسّفي والإعدام خارج نطاق القضاء. وفي بعض الحالات، يمكن أن ترقى الانتهاكات إلى جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية. وبموجب القانون الدولي، فإنّ جميع من في القيادة يتحمّلون المسؤولية القانونية إما لإصدار أوامر إلى مرؤوسيهم أو الفشل في منعهم من ارتكاب هذه الجرائم ويجب إخضاعهم للمساءلة.
وفي تقرير نشرته محامون من أجل العدالة في ليبيا مؤخراً عن وجهات النظر حول العدالة والمساءلة في ليبيا، عبّر المستجيبون عن عدم ثقتهم الواضحة في نظام العدالة الجنائية الليبي وأشاروا إلى أمثلة متكرّرة عن عدم الاستماع إليهم أو التخلّي عنهم، لا سيما فيما يتعلق بحالات انتهاكات حقوق الإنسان.
"في ظلّ غياب أي خطوات مساءلة جدية، وفعالة، وملموسة على مرّ السنوات تستجيب بطريقة ملائمة لرغبات الضحايا وعائلاتهم في ليبيا من أجل إنصافهم وجبر الضرر عنهم، فقد وجدوا أنفسهم اليوم في أمسّ الحاجة إلى آليات العدالة بالخارج للمضيّ قدماً وردم الهوة الكبيرة في مجال المساءلة التي تركها نظام القضاء الوطني في سياق افتقاره للقدرة والخبرة على تحقيق العدالة عن جرائم الحرب وغير ذلك من الجرائم الدولية الخطيرة." هذا ما صرّح به ناشط أخر في المجتمع المدني الليبي.
وإذ يبقى نظام العدالة الليبي غير فعال، تكون خيارات الولاية القضائية العالمية هي الممكنة من أجل تحقيق العدالة للضحايا. وتطالب محامون من أجل العدالة في ليبيا جميع هيئات التحقيق بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية بتعزيز جهودها نحو المساءلة كوسيلة لتحقيق العدالة لآلاف الضحايا الآخرين الذين ما زالوا يعيشون المعاناة في بيئة ينتشر فيها الإفلات من العقاب في ليبيا.
[i] الزقلي وآخرون ضدّ حفتر، سجلاّت المحكمة، متوفرة عبر هذا الرابط؛ السيد وآخرون ضدّ حفتر، سجلاّت المحكمة، متوفرة عبر هذا الرابط؛ حمزة وآخرون ضدّ حفتر، سجلاّت المحكمة، متوفرة عبر هذا الرابط.
[ii] القاضي جون ف. أندرسون، الاستنتاجات المقترحة للوقائع والتوصيات، دعوى خليفة حفتر، المحكمة الفيدرالية بولاية فرجينيا، 10 حزيران/يونيو 2022، متوفر عبر هذا الرابط.
[iii] ترايل إنترناشونال، خليفة حفتر، متوفر عبر هذا الرابط.
[iv] بيان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم أ. أ. خان إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول الوضع في ليبيا، تبعاً للقرار رقم 1970 (2011)، 24 نوفمبر 2021، متوفر عبر هذا الرابط.
[v] تقرير البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، 27 يونيو 2022، الفقرة 40 متوفر عبر هذا الرابط.