خطة جديدة، مع تكرار الأخطاء نفسها؟ أربع أولويات للجنة الاستشارية التي أنشأتها بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من أجل الدفع بعجلة الانتخابات

24/2/2025

في الرابع من شهر فبراير 2025، أعلنت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عن تشكيل لجنة استشارية أُسندت إليها مهمة معالجة الأزمة السياسية والانتخابية المطوّلة في ليبيا عن طريق حل القضايا الخلافية العالقة التي أعاقت إجراء الانتخابات الوطنية.

وتتكوّن هذه اللجنة الاستشارية من عشرين عضواً من الشخصيات الليبية من السلك الأكاديمي، ومن المجتمع المدني ومن المجالين القانوني والسياسي. ستقدم اللجنة مشاريع قوانين انتخابية، أحدهما للانتخابات البرلمانية والآخر للانتخابات الرئاسية، بهدف توجيه أصحاب المصلحة الليبيين نحو تنفيذ خارطة طريق قابلة للتطبيق من أجل تمكين إجراء الانتخابات.

وإذ ترحّب منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا بهذه المبادرة، تنوّه بأنّ اللجنة، ولكي تتمكن من تحقيق أهداف ولايتها والمساهمة بشكل فعّال في الجهود الرامية إلى إجراء انتخابات وطنية، لا بدّ من أن تتعلم من أخطاء الماضي و مواطن القصور التي عانت منها المبادرات الأممية السابقة التي باءت بالفشل، وأن تلتزم باتباع نهج مختلف هذه المرة.

ومع بدء اللجنة بعقد اجتماعاتها ومباشرتها بمناقشة القوانين الانتخابية، تبدو نافذة الفرصة المتاحة أمامها قصيرةً وحاسمةً فيما يتعلّق بضمان أن يؤدي عملها إلى نتائج شاملة وشفافة وقابلة للتنفيذ يمكن لليبيين الالتزام بها.

وعليه، تدعو محامون من أجل العدالة في ليبيا اللجنة للقيام بما يلي:

1. الشفافية

لكي تتكلّل أعمال اللجنة الاستشارية بالنجاح، يجب أن تتبنّى نهجاً يقوم على الانفتاح والشفافية منذ مباشرتها لأعمالها. وتحثّ محامون من أجل العدالة في ليبيا بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على تقديم معلومات واضحة ومفصّلة حول الطريقة التي اعتمدتها من أجل اختيار أعضاء اللجنة؛ من شارك فيها، وما الإجراءات المتبعة، وكيف تم التدقيق في الأعضاء الحاليين. ومما لا شكّ فيه أنّ معالجة المخاوف المتعلقة بالتحيّز الحزبي أو التدخل الأجنبي المحتمل تعدّ أمراً بالغ الأهمية لتعزيز شرعية العملية ومصداقيتها كما وشرعية اللجنة نفسها ومصداقيتها أيضاً.

كما يجدر ببعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن تقوم بنشر تفويض اللجنة وخطة عملها وأهدافها بشكل علني. إذ يعزى فشل مبادرات سابقة قادتها الأمم المتحدة، مثل ملتقى الحوار السياسي الليبي، جزئيًا لاتخاذ القرارات خلف الأبواب من دون تقديم توضيحاتٍ كافية.  وكان لغياب الوضوح المذكور دور في تغذية انعدام الثقة لدى العامة واتهامات المبادرات بالانحياز ومخاوف من التدخلات الخارجية فيها. وبالتالي، على اللجنة الاستشارية تجنّب تكرار مثل هذه الأخطاء.

ايضا، ينبغي على اللجنة الالتزام بتقديم تحديثات منتظمة يمكن لليبين الوصول إليها. كما يجب أن تكون التقارير التي تتناول تقدّم مسار العمل واضحةً ومباشرةً وخاليةً من المصطلحات السياسية المعقدة، بحيث يتمكن المواطنون من متابعة التطورات والمشاركة في العملية بشكل فعّال.

2. إشراك الجمهور بشكلٍ فعّال

يجب على اللجنة أن تتجاوز مجرّد الشفافية فتعمل على إشراك الجمهور بشكل ناشطٍ في رسم مستقبل ليبيا الانتخابي. فمن حق الليبين أن يشاركوا في اتخاذ القرارات التي ستؤثر عليهم، ويتعين على اللجنة أن تتيح الفرص الحقيقية للمشاركة الفعالة من خلال المشاورات وآليات جمع المعلومات المرتجعة والحوار، بما في ذلك مع المجتمع المدني. وفي غياب ذلك، قد يُطرح خطر حقيقي ومباشر من أن يشعر الليبيون، مرة أخرى، بأن القرارات تُتخذ نيابةً عنهم وليس بمشاركتهم.

كما أن إشراك الجمهور يعدّ وسيلة دفاع ضد أي محاولات لتعطيل عمل اللجنة أو تقويض نتائجها. فقد أظهرت التجارب السابقة احتمال أن تحاول أطراف محلية ودولية على حد سواء السعي إلى تقويض الجهود التي تبذلها اللجنة. والطريقة الأكثر فعالية للتصدّي لذلك إنما تتمثّل في حشد دعم شعبي واسع. فمن خلال إبقاء الليبيين على اطلاع والحرص على مشاركتهم في العملية، يمكن للجنة أن تعزّز من شرعيتها وأن تضمن عدم رفض مقترحاتها بسهولة وعدم التلاعب بها.

3. تبنّي إطار لحقوق الإنسان يحمي للمجتمع المدني

وجود مجتمع مدني حر وناشط أمر أساسي لضمان إجراء انتخابات نزيهة، فهو يسهم في تعزيز الشفافية وضمان المساءلة وثقة العامة في العملية الديمقراطية. ولا يخفى على أحدٍ أنّ المبادرات السابقة لم تنجح في معالجة القيود المتزايدة المفروضة على الناشطين والصحفيين ومراقبي الانتخابات والمدافعين عن حقوق الإنسان في ليبيا، الأمر الذي تركهم أكثر عرضةً للإسكات ولمزيد من أعمال القمع.

ولمنع تكرار إخفاقات الماضي، يجب على اللجنة الاستشارية أن تجري تحليلاً شاملاً مبنياً على حقوق الإنسان لجميع مشاريع القوانين من أجل ضمان توافقها مع المعايير الليبية والدولية لحقوق الإنسان، والتأكد من أنها لا تفرض قيودًا على المجتمع المدني، ولا تقمع المعارضة، ولا تحدّ من المشاركة الديمقراطية لجميع الليبيين، بمن فيهم الفئات المهمشة والأقليات. وبالتالي، على اللجنة أن تضمن بشكلٍ ناشط تعزيز الإطار الانتخابي الليبي للمشاركة المفتوحة، عوض تقييدها.

4. ضمان النزاهة ومنع العرقلة

سبق أن تعرّضت عملية الانتقال السياسي في ليبيا مراراً  لعراقيل متكررة من قبل النخب والميليشيات والجهات الفاعلة الأخرى المستفيدة من الوضع القائم. ومن خلال الترهيب والمناورات القانونية ونشر المعلومات المضلّلة، سعت هذه الأطراف إلى تقويض جهود الإصلاح وإضعاف الحكم الديمقراطي. كما واجه ملتقى الحوار السياسي الليبي اتهامات تتعلق بالمصداقية بسبب مزاعم ذات صلة بالرشوة وشراء الأصوات.

ولمنع تكرار ذلك، يجب على بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن تتخذ خطوات فعّالة لحماية استقلالية اللجنة الاستشارية ونزاهتها، وضمان قدرتها على أداء عملها من دون أيّ تدخلات أو ضغوط سياسية. ويتضمن ذلك التصدّي للأطراف المعرقلة من خلال الكشف عن الجهات التي تحاول التلاعب بالعملية أو تأخيرها. كما يجب على بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن تحدّد بشكلٍ واضح العواقب التي تترتب على ممارسات الفساد وإنفاذها، بما في ذلك استبعاد المتورطين أو نزع صفة الأهلية عنهم أو إدراجهم في قوائم سوداء علنية. ذلك أنّ الحفاظ على النزاهة والمساءلة أمران أساسيان لضمان شرعية العملية الانتخابية ونجاحها في ليبيا.

Thank you! You have been subscribed.
Oops! Something went wrong while submitting the form.

سجل للحصول على المستجدات

تحديث منتظم من محامون من أجل العدالة الى بريدك