المجتمع المدني يطالب الدول بدعم أعمال المحكمة الجنائية الدولية
لاهاي
يلتقي ممثلو الحكومات من 123 دولة في لاهاي اليوم للمشاركة في الاجتماع السنوي للدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية. وتضمّ منظمات المجتمع المدني صوتها إلى صوت النائب العام في دعوة الدول لدعم أعمال المحكمة، لا سيما في وجه المقاومة المتزايدة التي تبديها الدول الخاضعة لتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية. فلا بد على الدول من أن تتحمّل مسؤوليتها في حماية الشعوب مما يرتكب بحقها من جرائم خطيرة، من خلال تعزيز نظام العدالة الدولية بما في ذلك عن طريق دعم المجموعات المحلية المعنية بالمناصرة من أجل توثيق الجرائم التي تقع ضمن اختصاص المحكمة ومحاسبة مرتكبيها.
في ندوةٍ تحت عنوان "المجتمع المدني والمحكمة الجنائية الدولية: وجهات النظر المحلية حول تقصّي الحقائق" عُقدت في الفيليبين بدعوةٍ من مبادرة العدالة في المجتمع المفتوح، اجتمع ممثلون من المجتمع المدني من سبع دولٍ لرفع تقاريرهم بعد سلسلة من المشاورات العالمية التي نظّمت خلال العام 2015 في محاولةٍ لتحديد مختلف أشكال الدعم التي تعدّ هذه المجموعات بأمسّ الحاجة إليها. وقد أضاءت منظمات المجتمع المدني من كلّ منطقة على واقع أنّ أعمال المحكمة الجنائية الدولية تتوقف بالكامل على جهوزية الوكالات الوطنية للتعاون. وفي الحالات التي تمتنع فيها الدول عن التعاون، تجد منظمات المجتمع المدني المحلية نفسها تكافح من أجل سدّ ثغرة المساءلة بالحدّ الأدنى من المساعدة، لا سيما في ما يتعلق بالحماية والتمويل. بالإضافة إلى ذلك، ناشدت منظمات المجتمع المدني الدول من أجل تيسير الوصول إلى خدمات التكنولوجيا الحديثة على المستوى المحلي، مشدّدةً في الوقت نفسه على عدم استخدام هذه التكنولوجيا بما يسيئ إلى المجتمع المدني. كما أكّدت على ضرورة دعم الدول لمشاركة الضحايا على نحوٍ شاملٍ وهادفٍ في إجراءات المحكمة الجنائية الدولية.
تسجّل منطقة آسيا والمحيط الهادئ العدد الأعلى من النزاعات دون الوطنية في العالم، يقابلها أدنى عددٍ من المصادقات على نظام روما الأساسي الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية. لذلك، فقد شدّدت منظمات المجتمع المدني من تلك المنطقة على أنّ الانضمام كدولٍ أطراف إلى النظام الأساسي للمحكمة أمر ملازم للأمن والدفاع وردع الاعتداءات. وفي هذا السياق أكّدت بيكي لوزادا، من ائتلاف الفيليبين للمحكمة الجنائية الدولية بقولها: "على الدول أن تتذكر دوماً أنّ المحكمة الجنائية الدولية تتعدّى مجرّد آلية للملاحقة الجنائية، بل هي تؤدي دوراً فاعلاً في حماية الشعوب من الفظائع الجماعية. ومن الضروري أن تحتلّ احتياجات الضحايا مكانةً دائمةً في صلب نظام العدالة الدولية." من جهته، علّق بانهافوث لونغ من مبادرة العدالة في كمبوديا مؤكداً: "لا تمثل المحكمة الجنائية الدولية رسالة "حضارة" بل هي محكمة مستقلة وغير منحازة. وبالتالي، يتعين على المحكمة أن تضمن المساواة أمام القانون أياً كانت المنطقة ومهما بلغت القيود على الموارد. كما أنّ المساءلة لا تتحقق إلا في الحالات التي تبدي فيها الدول حسن نية في العمل من خلال التعاون التام مع المحكمة الجنائية الدولية. و ندعو الدول الأعضاء إذاً للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية تعاوناً كاملاً، وتقديم دعمها الشامل لمنظمات المجتمع المدني، بحيث لا تقف حجر عثرة في وجه عملية تقصي الحقائق بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان."
تتمتع المنطقة الأفريقية بمستوىً عالٍ من التفاعل مع المحكمة الجنائية الدولية على اعتبار أنّ جميع الدعاوى الجارية حالياً في المحكمة مصدرها القارة الأفريقية. وقد سلّط المجتمع المدني الضوء على الأهداف المختلفة للتوثيق المحلي والحاجة لاحترام واقع أنّ المجتمع المدني كيان مستقلّ عن المحكمة الجنائية الدولية وعن الدول. وقد أكّدت بياتريس أوكيرو من شبكة منظمات المجتمع المدني في كينيا: "على الدول وجميع الأطراف المعنية أن تحرص على حماية المعلومات الخاصة بالضحايا. وإنّ أي معايير مرتبطة بالحماية يجب أن تنبع من حماية وصون حقوق الضحايا." وقد وافق لينو أوغورا أور من مؤسسة مبادرات العدالة والتنمية في أوغندا على هذه التصاريح مضيفاً: "تدعو الحاجة إلى إقامة علاقات مبنية على الاحترام ما بين المحكمة الجنائية الدولية ومنظمات المجتمع المدني؛ يجب على المحكمة الجنائية الدولية، عند التدخل في الأوضاع المحلية، أن ترى في منظمات المجتمع المدني شريكاً لها، لا العكس. كما يجب أن تعتبر المحكمة منظمات المجتمع المدني طرفاً معنياً في عملية جمع الأدلة وتعزيز مشاركة الضحايا. فمما لا شكّ فيه أنّ منظمات المجتمع المدني هي الأقرب إلى الضحايا والمجتمعات المحلية المتأثرة بالنزاعات، ذلك و أنه في معظم الحالات التي شهدنا فيها تدخلاً من قبل المحكمة، كانت منظمات المجتمع المدني قد سبق أن تفاعلت مع الضحايا والمجتمعات المتأثرة وووثقت رواياتها، وهو أمر مهم لأهداف جمع الأدلة وتعزيز مشاركة الضحايا." وأعلنت تاتيانا فيفيان بانغ من منظمة Femme-Homme-Action Plus في جمهورية أفريقيا الوسطى: "تنادي منظمات المجتمع المدني بالعدالة للضحايا، بما في ذلك المصالحة الملائمة، والإنصاف، وبرامج إعادة الدمج. و على الدول أن تدعم الوصول إلى هذه الأهداف، بما في ذلك من المحكمة الجنائية الدولية."
في ما يتعلق بطلب فتح تحقيق في جورجيا، أشارت المجموعات المحلية الداعمة للضحايا إلى أهمية تيسير الدول لعملية إشراك المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك من خلال عملية تبادل المعلومات وتوعية الضحايا حيال المحكمة الجنائية الدولية. وقد أعلن نيكا جيراناشيفيلي، من مؤسسة المجتمع المفتوح في جورجيا: "آن للدول أن تواجه واقعاً جديداً اليوم إذ من الممكن أن يتم فتح تحقيق خاص بجورجيا، ويجب البدء بالتخطيط للتعاون مع المحكمة ومجموعات الضحايا. فعمليات المحكمة الجنائية الدولية جديدة بالنسبة للدولتين المعنيتين، وثمة حاجة إلى بناء القدرات على المستوى المحلي. لذلك، لا بد من تيسير النقاشات العامة وتبادل المعلومات من أجل تثقيف العامة بشأن هذه القضية. كما يجب أن تقدم الدول المساعدة للضحايا في عملية التوثيق وضمان الحماية الملائمة والمشاركة في الإجراءات أمام المحكمة."
تعتبر منطقة أميركا اللاتينية رائدةً في التقاضي في دعاوى حقوق الإنسان، ومع ذلك فقد شدّد ممثلو المجتمع المدني على فكرة تقديم الدولة لمزيد من الدعم للمجموعات المحلية التي تعمل في سبيل تطبيق القانون الجنائي الدولي. فكثير من منظمات المجتمع المدني لا ثقة لديها في الدول التي تنتمي إليها، وتزعم أنّ النظام القانوني يستخدم عادةً لتجنّب تطبيق العدالة أو لاستهداف المنظمات التي تعمل في سبيل تحقيق المساءلة. وقد أكّدت نانسي فالديز من مؤسسة الأنثروبولوجيا الشرعية في غواتيمالا على أنّه من الضروري بالنسبة إلى الدول أن تعي "أهمية توثيق انتهاكات حقوق الإنسان، وتقديم الدعم للضحايا وعائلاتهم. يجب أن تستكمل أنظمة العدالة الوطنية إجراءات المحكمة الجنائية الدولية من خلال قيادة التحقيقات الوطنية الهادفة." من جهتها، علّقت أراسيلي م. أوليفوس من مركز CENTROPRODH في المكسيك بقولها: "في المكسيك، نعيش أكبر أزمة لحقوق الإنسان. فالشعب مهدّد كلّ يوم بسبب انتشار الجرائم التي تنتهك القانون الدولي، كالتعذيب والاختفاء القسري، فضلاً عن التآمر بين القوى السياسية ومنظمات الجرائم، وكلّ ذلك يجري في دولةٍ تبلغ نسبة الحصانة فيها 98 لا بل 99 بالمئة. نحتاج من الدول أن تدعم العدالة الدولية."
في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كانت منظمات المجتمع المدني سباقةً في قيادة جهود تقصّي الحقائق في الجرائم الخطيرة المرتكبة في مختلف أنحاء المنطقة، لا سيما في سياق الموارد الوطنية المحدودة من أجل قيادة التحقيقات في الجرائم المحتملة المنتهكة لنظام روما الأساسي. على الدول أن تقبل أنّ المحكمة الجنائية الدولية ملزمة بالتحقيق في جميع الجهات المعنية بالنزاع كلما توافرت أسباب تدعو للاعتقاد أنّ الجرائم قد ارتكبت بالفعل، ولا بد من استكمال التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية أياً كان مسار التحقيقات الذي توصّل إليه النائب العام. وقال شهوان جبارين، من مؤسسة الحق: "تحتاج الدول لأن تقدّم الدعم الكامل للمحكمة من أجل وضع حدّ للحصانة عن الجرائم الشائنة، بغض النظر عن السياق السياسي الذي ترتكب فيه." وأعلن توماس إيبس، من محامون من أجل العدالة في ليبيا بقوله: "من الأهمية بمكان أن تقدّم الدول ما يلزم من دعم مالي وتشجيع للمحكمة الجنائية الدولية من أجل دعم عملية تقصّي الحقائق من قبل المجتمع المدني. في ليبيا، ورغم البيانات المتكررة الصادرة عن مكتب النائب العام بالاشتباه باستمرار الجرائم الواقعة ضمن نطاق اختصاص المحكمة، فإنّ المحكمة الجنائية الدولية لا تتمتع بحضور لها في البلاد لأسباب أمنية ومالية. ورغم ذلك، لم يبذل أي جهد لتشجيع المجتمع المدني على توثيق هذه الجرائم، الأمر الذي يهدد إمكانية وصول ضحايا هذه الفظائع للعدالة في يوم من الأيام."
وقد شدّد ممثلو المجتمع المدني على أهمية التعاون والتنسيق الإيجابيين مع الدول الأعضاء الملتزمة بدعم العدالة الدولية. ولا شكّ أنّ الاجتماع السنوي للدول الأعضاء يمثّل فرصةً هامةً تضمن تقديم الدول الدعم الهادف للمحكمة الجنائية الدولية، وأخذ مخاوف الضحايا بعين الاعتبار كنقطة ذات أولوية في النقاشات الدائرة.
معلومات عامة: المحكمة الجنائية الدولية هي المحكمة الدولية الدائمة الأولى في العالم التي يشمل اختصاصها جرائم الحرب، والجرائم ضدّ الإنسانية، والإبادة الجماعية. تقوم ولاية المحكمة بشكلٍ أساسي على مبدأ التكامل، الذي يؤكد على أنّ المحكمة لا تتدخّل إلا في حال كانت الأنظمة القانونية الوطنية غير قادرة أو غير مستعدة للتحقيق وملاحقة مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية، والجرائم ضدّ الإنسانية، وجرائم الحرب.
تقود المحكمة الجنائية الدولية حالياً تسع عمليات تحقيق حول كل من: جمهورية أفريقيا الوسطى؛ جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ دارفور، السودان؛ كينيا؛ ليبيا؛ أوغندا؛ ساحل العاج، ومالي. ولا يزال طلب إجراء تحقيق في جورجيا قيد الدراسة. أصدرت المحكمة الجنائية الدولية 33 مذكرة توقيف وتسع مذكرات حضور. وتجري فيها حالياً ثلاث محاكمات، وصدرت عنها إدانتان وحكم واحد بالبراءة. كما تقود المحكمة سبع دراسات تمهيدية في الوقت الحالي، بما في ذلك في الأوضاع الدائرة في أفغانستان، وكولومبيا، وغينيا، وفلسطين، والعراق، ونيجيريا، وأوكرانيا. وقد اختتم مكتب النائب العام الدراسات التمهيدية المتعلقة بهندوراس، وفنزويلا، وفلسطين، وجمهورية كوريا وإحالة جزر القمر، رافضةً في كلّ قضية أن تفتح تحقيقاً.
من نحن: هذا البيان صادر عن المشاركين في ندوة "المجتمع المدني والمحكمة الجنائية الدولية: وجهات النظر المحلية حول تقصّي الحقائق"والتي تستضيفها الفيليبين ومبادرة العدالة في المجتمع المفتوح على هامش جلسة الجمعية العامة للدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية. وقد انضمّ المشاركون في الندوة إلى ممثلين آخرين عن المجتمع المدني ضمن سلسلة من المشاورات الإقليمية عقدت في منطقة آسيا – المحيط الهادئ في الفيليبين، في شهر مارس، وفي أفريقيا، وتحديداً في السنغال وبنين في يونيو، وفي أميركا اللاتينية، وتحديداً في كوستاريكا في سبتمبر، وفي الشرق الأوسط في يونيو ونوفمبر، وفي أوروبا الشرقية في أكتوبر.
تاتيانا فيفيان بانغ هي مديرة منظمة Femme-Homme-Action Plus (FHAP) في جمهورية أفريقيا الوسطى. وهي خبيرة في مجال الاستجابة لاحتياجات الضحايا في أوقات النزاع، لا سيما في جمهورية أفريقيا الوسطى. افتتح التحقيق الخاص بجمهورية أفريقيا الوسطى عام 2007.
توماس إيبس هو المدير بالوكالة لمنظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، وهو يرأس أيضاً برنامج حقوق المرأة في المنظمة. يسعى البرنامج إلى تنفيذ سلسلة من المشاريع المبتكرة الرامية إلى معالجة المخاوف المتعلقة بقضايا النوع الاجتماعي في ليبيا. افتتح التحقيق الخاص بليبيا عام 2011.
التحق نيكا جيراناشفيلي بمؤسسة المجتمع المفتوح في جورجيا في أبريل من عام 2011. وهو يعمل، بالتعاون مع إدارة المؤسسة، على تنظيم وتنفيذ وإدارة النشاطات المتعلقة بحقوق الإنسان والعدالة الجنائية. وقد أعلن مكتب النائب العام أنه تلقى طلباً لفتح تحقيق في شهر أكتوبر 2015.
شهوان جبارين هو مدير مؤسسة الحق في فلسطين، وهو يتولى أعمال رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان من قبل جميع الأطرف في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. أعلن مكتب النائب العام فتح دراسة تمهيدية في يناير 2015. (لم يتمكن من حضور الندوة).
يعمل بانهافوث لونغ مستشاراً لحساب مبادرة العدالة في كمبوديا. وهو خبير أخصائي في العدالة الانتقالية، بما في ذلك من خلال عمله ضمن محكمة الخمير الحمر. تلقى مكتب النائب العام طلباً بموجب المادة 15 حول كمبوديا سنة 2013.
أراسيلي م. أوليفوس هي منسقة شؤون الدفاع في مركز CENTROPRODH في المكسيك. وهي تتمتع بخبرةٍ في مجال التقاضي بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في المكسيك. على الرغم من عدم صدور أي تصريحات رسمية من المحكمة الجنائية الدولية حول المكسيك، إلاّ أنّ مكتب النائب العام قد تلقى طلباتٍ عدة بموجب المادة 15 في ما يتعلق بالأزمة الحالية لحقوق الإنسان.
بياتريس أتيينو أوكيرو قائدة فريق ضمن شبكة منظمات المجتمع المدني في كينيا. وهي خبيرة في الاستجابة لاحتياجات الضحايا في أوقات النزاع، لا سيما في كينيا. افتتح التحقيق الخاص بكينيا سنة 2010.
لينو أوغورا أوور هو المدير الفني لمؤسسة مبادرات العدالة والتنمية في أوغندا. وهو خبير في مجال العدالة الدولية ولديه معرفة واسعة في العمليات الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية. افتتح التحقيق الخاص بأوغندا سنة 2004 وتمت عملية التوقيف الأولى للمتهم أونغوين في يناير من سنة 2015.
تعمل نانسي فالديز منسّقةً لمشروع العدالة الانتقالية في مؤسسة الأنثروبولوجياا لشرعية في غواتيمالا. تعنى هذه المنظمة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان وقامت بتحديد هويات المفقودين خلال الحرب في غواتيمالا. انضمّت السيدة فالديز إلى المنظمة عام 1993، وهي تتولى أعمال البحث عن الحقيقة، والعدالة، وجبر الضرر، وعدم التكرار والاستجابة لطلبات الناجين وأقارب الضحايا.