"محامون من أجل العدالة في ليبيا" تدين التعديلات التي أجراها المؤتمر الوطني العام على الإعلان الدستوري
بتاريخ 9 أبريل 2013، أجرى المؤتمر الوطني العام بعض التعديلات الهامة على الإعلان الدستوري المؤقت لليبيا، وفي هذه التعديلات تأثير على عملية صياغة ومراجعة القوانين المستقبلية المحتملة والتي يقصد بها منع بعض الأشخاص من تولّي مراكز في الدولة. تدين منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" بشدة هذه التعديلات باعتبارها انتهاكاتٍ تخلّ بالإعلان الدستوري المؤقت لليبيا، وبالمعاهدات الدولية، والمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وسيادة القانون.
مراجعة قوانين العزل السياسي
عدّل المؤتمر الوطني العام المادة 6 من الإعلان الدستوري ليضمّنها حكماً يلغي المراجعة القضائية لدستورية القوانين التي تمنع بعض الأشخاص من شغل مراكز في الدولة. وينصّ التعديل على ما يلي:
"لا يعدّ إخلالاً بما ورد بهذا الإعلان منع بعض الأشخاص من تولّي المناصب السيادية والوظائف القيادية والإدارات العليا في الدولة لفترة زمنية مؤقتة بمتضى قانون يصدر بالخصوص بحيث لا يخلّ بمبادئ حقوق الإنسان في حق التقاضي للمعنيين."
ينتهك هذا التعديل حقوق المواطنين ومبدأ فصل السلطات بوسائل عدة.
يشكّل هذا التعديل محاولةً لتقييد الحريات الممنوحة بموجب المادة 6 والتي تنصّ على ما يلي: "الليبيون سواء أمام القانون، ومتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية [...] لا تمييز بينهم بسبب الدين أو المذهب أو اللغة أو الثروة أو الجنس أو النسب أو الآراء السياسية أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء القبلي أو الجهوي أو الأسري."[1] إنّ قانون العزل السياسي الذي يهدف إلى تقييد حقوق بعض المواطنين المدنية والسياسية في المشاركة في الحكم، من دون أي محاكمة وفق الأصول القانونية، يتنافى مع هذه الحماية المنصوص عليها في المادة 6. ولا يقصد بهذا التعديل فحسب أن يمنع وبصورة غير شرعية أشكال الحماية الواردة في المادة 6، بل يمنع أيضاً أيّ طعن بدستورية قانون من هذا النوع.
وبمنعه الطعون الدستورية بالقانون، يخلّ هذا التعديل أيضاً بالحق الإنساني الأساسي والدستوري في المراجعة القضائية، كما هو وارد في المادة 33 من الإعلان الدستوري. فالمادة 33 تنصّ تحديداً على صون الحق في التقاضي: "التقاضي حق مصون ومكفول للناس كافة، ولكل مواطن حق الإلتجاء إلى قاضيه الطبيعي وتكفل الدولة تقريب جهات القضاء من المتقاضين، وسرعة الفصل في القضايا." أما هذا التعديل فيحصر الإجراءات القانونية "بالمعنيين" فقط، وعلى ما يبدو، بالقرارات التي تتخذ تبعاً للقانون. من دون إتاحة القدرة على الطعن في القانون على أساس دستوري، حتى الأشخاص "المعنيون" لن يتمتعوا بأساس فعلي للدفاع عن أنفسهم ضدّ القرارات التي تتخذ تبعاً لقانون العزل السياسي. فمن المرجح اختصار شكاواهم بالشكاوى التقنية وليس بالشكاوى على أساس مبادئ ضمانات حقوق الإنسان.
وتؤكّد إلهام السعودي، مدير منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا": "إنّ حقوق المواطنين في التشكيك والطعن في صلاحيات إحدى سلطات الحكم، من خلال اللجوء إلى السلطتين الأخريين كنظام للضوابط والموازين تخضع له صلاحيات تلك السلطة، يقع في صلب أي نظام ديمقراطي دستوري. ومن ضمن هذه الحقوق حق اللجوء إلى المحاكم، كما هو منصوص عليه في المادة 33 من الإعلان الدستوري. إن هذا التعديل، من دون أن يوفّر أي وسائل حقيقية للمراجعة أو الطعن في هذا القانون، من حيث المضمون والتطبيق، يمنع اللجوء إلى القضاء ويشكّل بحدّ ذاته انتهاكاً لمبادئ حقوق الإنسان والركائز الأساسية لسيادة القانون."
كما يعتبر هذا التعديل أيضاً مخالفاً للمبدأ الأساسي لفصل السلطات، كما تنصّ عليه المادتان 32 و33 من الإعلان الدستوري. فهو يلغي صلاحيات واستقلالية السلطة القضائية والمحكمة العليا للنظر في قوانين العزل السياسي المستقبلية، قبل إقرار هذه القوانين حتى، ما يعرقل في الجوهر دور القضاء في التدقيق في أعمال السلطة التشريعية.
وقد صرّحت اللجنة التشريعية والدستورية بالمؤتمر الوطني العام بوضوح أن الهدف من هذا التعديل هو تحديداً الحدّ من المراجعة القضائية. فوفقاً لرئيس اللجنة التشريعية والدستورية بالمؤتمر الوطني العام، عمر بوليفة، يتمتع المؤتمر الوطني العام، وبصفته هيئة منتخبة، بسلطة تفوق سلطة القضاء. وقد ذكرت أقواله في مقالةٍ نُشرت في ليبيا المستقبل، جاء فيها:
"لا يجوز الطعن في التعديل الدستوري، مستنداً لشرعية المؤتمر الوطني الانتخابية، الذي يعد أعلى سلطة تشريعية في ليبيا، موضحاً أن الدائرة الدستورية ليس من حقها تغيير مواد الإعلان الدستوري. وقال إن المؤتمر لو ترك قانون العزل السياسي دون تحصين، يصبح من الممكن الطعن بعدم دستوريته، كما وُقع مع قانون تمجيد الطاغية، والقانون رقم 52 الصادر عن المجلس الانتقالي سابقا بمنع سفراء النظام السابق من العمل في العهد الجديد. وأضاف أن تحصين العزل السياسي لا يعد انتهاكاً للحريات، بل إجراء قانونياً "صرفاً" تقتضيه المرحلة الانتقالية."[2]
لا يمنح الإعلان الدستوري المؤتمر الوطني العام الحق في إلغاء الصلاحيات القانونية عن طريق سن القوانين. فالسلطة المستقلة للقضاء منصوص عليها في المادة 32 من الإعلان الدستوري، وقد جاء فيها: "السلطة القضائية مستقلة، وتتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وتصدر أحكامها وفقاً للقانون، والقضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون والضمير." وهذا ما يظهر الفصل الواضح للسلطة القضائية بعيداً عن تأثير أي هيئة أخرى، بما فيها المؤتمر الوطني العام. كما تتضمّن المادة 33 من الإعلان الدستوري إشارةً أخرى إلى حق القضاء في مراجعة سلطات الحكم الأخرى، فهي تنصّ على أنّه "يحظّر النص في القوانين على تحصين أي قرار إداري من رقابة القضاء."
ولا يخلّ هذا التعديل فحسب بأحكام الإعلان الدستوري الليبي بل يخلّ أيضاً بالاتفاقيات الدولية التي تعدّ ليبيا دولةً طرفاً فيها. فقد صادقت ليبيا على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[3] والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[4]، وهما يضمنان الحق في اللجوء إلى القضاء.
وقد جاء في تصريح السعودي كذلك: "هذا التعديل على الإعلان الدستوري هو الانتهاك الأخطر حتى اليوم من قبل المؤتمر الوطني العام بمبادئ سيادة القانون والديمقراطية. فقد مسّ المؤتمر الوطني العام بالحقوق الأساسية للمواطنين وجرّد السلطة القضائية من صلاحياتها، مظهراً هذا التجريد كقرار عظيم في مسار الديمقراطية، في وقتٍ لا يقوم فيه هذا القرار إلا بتقويض الركائز والمبادئ الأساسية التي تقوم عليها الديمقراطية. نظراً إلى مساس قوانين العزل السياسي بحقوق المواطنين، تدعو الحاجة إلى إيلاء الكثير من الدقة والقدر الأكبر من الحماية. وقد سبق لنا أن أعربنا عن خشيتنا من أن يستخدم قانون العزل السياسي في عدم الإخضاع للمساءلة من خلال المحاكمة وفق الأصول القانونية. وقد أثبتت هذه التعديلات أنّ هذه المخاوف، ومع الأسف الشديد، في محلّها."
نسبة التصويت المطلوبة لإقرار قانون العزل السياسي
وكان المؤتمر الوطني العام قد أجرى تعديلاً يخفّض عدد أصوات أعضاء المؤتمر الوطني العام المطلوبة لإقرار قانون العزل السياسي من أكثرية الثلثين إلى أكثرية بسيطة من 50% من الأعضاء زائد واحد، أو مئة عضو وواحد.
وقد برّر بعض الأعضاء في المؤتمر الوطني العام هذا التعديل باعتباره حلاً تقنياً يسهّل سير العملية التشريعية نظراً لغياب بعض الأعضاء باستمرار. ولكن، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية هذا القانون الذي لأجله خفّضت نسبة التصويت، يبدو أنّ هذا التعديل كان بمثابة حلّ لمشكلة امتناع الأعضاء عن تأكيد الدعم اللازم للمشروع الحالي لقانون العزل السياسي، وضمان إقراره من دون الحاجة إلى العدد اللازم عادةً من الأصوات.
وقد أكّدت السعودي: "يشكّل هذا التعديل سابقةً مقلقةً لعملية صياغة القوانين المستقبلية بحيث يكون بمقدور أعضاء المؤتمر الوطني العام تعديل النسبة المطلوبة من الأصوات سعياً لإقرار قوانين لا تحظى بالشعبية في الحالات التي لا يتوافر الحد اللازم من التوافق. إنها لممارسة مثيرة للقلق، بشكلٍ خاص، بالنسبة إلى قانون يؤثّر بهذا الشكل على حقوق الإنسان، فهذه النسبة إن كانت ستعدّل ينبغي أن ترفع لا أن تخفّض. فإنّ هذا التغيير، الذي يتطلب نسبةً أدنى من التصويت مقارنةً بأي قانون آخر، يقوّض من مشروعية إقرار أي قانون للعزل السياسي بالكامل ويقوّض أيضاً الإعلان الدستوري والمبادئ الديمقراطية التي يضمنها."
تدين منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا" وبشدة هذا التعديل وتطالب المؤتمر الوطني العام بإلغائه وإعادة العمل بقواعد التصويت بأكثرية الثلثين المطلوبة لجميع القرارات.
"هذان التعديلان، إذا ما نُظر إليهما بصورة شاملة، يشيران إلى النية في التحايل على حكم القانون والسلطة القضائية والحماية الدستورية للشعب الليبي بغية التهرّب من تطبيق المساءلة وتحقيق أجندات سياسية. فمن الضروري أن تصان حقوق الشعب وسلطة القضاء وتتمتع بالحماية بعيداً عن أي تدخل سياسي كما هو مقصود في الإعلان الدستوري، وكما هو مطلوب بموجب الالتزامات الدولية لليبيا. بهذه التعديلات، يكون المؤتمر الوطني العام قد تجاوز من دون أدنى شك الصلاحيات الممنوحة له ووضع مصالحه الشخصية قبل مصالح الشعب الليبي"، على حدّ تعبير السعودي.
تنويه:
[1] يمكن العودة إلى نص الإعلان الدستوري على الرابط http://www.hnec.ly/uploads/publisher/6_ntc_2011.pdf
[2] ليبيا المستقبل، "تحصين العزل يقيّد القضاء الليبي"، متوافرة على الرابط: http://www.libya-al-mostakbal.org/news/clicked/33100
[3] تنصّ المادة 8 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على ما يلي: "لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه عن أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون."
http://www.ohchr.org/en/udhr/pages/Language.aspx?LangID=arz
[4] ينصّ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 2 منه في فقرتها الثالثة على أنّ كل دولة طرف في هذا العهد تتعهّد بأن تكفل لكل متظلم على هذا النحو أن تبت في الحقوق التي يدعى انتهاكها سلطة قضائية أو إدارية أو تشريعية مختصة، أو أية سلطة مختصة أخرى ينص عليها نظام الدولة القانوني، وبأن تنمى إمكانيات التظلم القضائي."http://untreaty.un.org/cod/avl/pdf/ha/iccpr/iccpr_a.pdf