أشادت محامون من أجل العدالة في ليبيا بالزيارة التي تقوم بها حالياً المقرّرة الخاصة المعنية بالعنف ضد النساء والفتيات، وأسبابه وعواقبه، السيدة ريم السالم، إلى ليبيا في الفترة ما بين 11 و20 ديسمبر 2022. وفي هذه الزيارة، نحثّ السلطات الليبية على تقديم الدعم والتعاون الكاملين، وضمان سلامة النساء والمجتمع المدني للتفاعل مع المقرّرة الخاصة. وتقدّم محامون من أجل العدالة في ليبيا أيضاً التوصيات من أجل الأخذ بعين الاعتبار العنف ضدّ المرأة في ليبيا.
ومن المقرّر أن تقدّم المقرّرة الخاصة، بدعوةٍ من السلطات الليبية، تقييماً شاملاً للقضايا المتعلّقة بولايتها في مكافحة العنف ضدّ النساء والفتيات في ليبيا وتقديم توصياتها إلى الدولة الليبية بشأن تدابير منع العنف ضدّ النساء والفتيات والتصدّي له، والقضاء عليه في الدوائر المدنية، والثقافية، والاقتصادية والسياسية، والاجتماعية.
وتأتي زيارة المقرّرة الخاصة من بعد زيارة سابقة للمقرّر الخاص المعني بالنازحين في العام 2018، في حين بقيت زيارة كلّ من المقرّر الخاص المعني بحرية الرأي والتعبير، والفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري مؤجّلةً.
وفي هذا السياق، تقرّ منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا بأهمية زيارة المقرّرة الخاصة كفرصةٍ لا بدّ منها من أجل النظر في حالة حقوق الإنسان للنساء والفتيات ضمن السياق الليبي، من أجل معالجة الإفلات من العقاب المستشري عن جرائم العنف ضدّ النساء والفتيات، والمساهمة في العدالة وإنصاف الضحايا، وضمان حماية حقوق المرأة. ولكي يتحقّق ذلك، ينبغي ضمان المشاركة الآمنة للضحايا والمجتمعات المتضرّرة والمجتمع المدني.
إنّ سلامة المرأة والمجتمع المدني لا تحتمل أي تفاوض
وتلاحظ محامون من أجل العدالة في ليبيا أنّ المقرّرة الخاصة، وفي الدعوة لتقديم المساهمات التي أطلقتها مؤخراً، قد أعربت عن نيّتها في عقد لقاءاتٍ مع ممثّلين من منظمات المجتمع المدني، والمنظمات المعنية بشؤون المرأة، وقادة المجتمع المدني والزعماء الدينيين (حيث يكون ذلك مناسباً)، ومجموعات النساء والفتيات. ولكن، إزاء الاعتداءات المنتشرة المرتكبة بحق النساء وأعمال القمع المتزايدة التي تُشنّ على المجتمع المدني في ليبيا، ومنها الهجمات على الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، لا سيما النساء منهم، تتخوّف محامون من أجل العدالة في ليبيا بشدّة من خطر الأعمال الانتقامية التي يمكن أن يتعرّض لها من يختارون لقاء المقرّرة الخاصة والتفاعل معها.
وإلى جانب العديد من المعيقات المؤسساتية والاجتماعية التي تعرقل قدرة النساء على المشاركة بحرية وأمان في المساحات المدنية، والسياسية والاجتماعية، فإنّ العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي بدوره، بما يشمله من أعمال قتلٍ، وخطفٍ، وتعذيب، واغتصاب، وحملات تشهير، وعنف إلكتروني، يتسبّب بانسحاب النساء أكثر فأكثر من الساحة العامة والسياسية.
وقد أظهر استبيان قامت به محامون من أجل العدالة في ليبيا مؤخراً للممارسين العاملين على العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي في ليبيا أنّ هذا النوع من العنف منتشر في مختلف أنحاء البلاد، وقد ازداد سوءاً منذ اندلاع النزاع عام 2011 على المستويات كافة: من العنف الذي تسمح به الدولة، إلى العنف الذي ترتكبه الميليشيات، إضافةً إلى العنف من قبل أفراد الأسرة والشريك. هذا وليس أخراً، يبقى العنف الجنسي والعنف المبني على النوع الاجتماعي غير مبلّغ عنه إلى حدّ بعيد بسبب الخوف من الأعمال الانتقامية، والوصمة، وغياب سبل الانتصاف.
وتواجه النساء في الحياة العامة قيوداً مضافةً، لا سيما بسبب الأنظمة القمعية التي تفرضها السلطات الليبية وتمنع بموجبها المجتمع المدني من القيام بعمله بصورةٍ آمنة. ولا شكّ أنّ هذه الأنظمة تنتهك بشدة حرية التعبير وتكوين الجمعيات وتمنح مفوضية المجتمع المدني في ليبيا صلاحيات تقديرية واسعة ومفرطة للتحكّم بأنشطة المجتمع المدني. ويشمل ذلك القدرة على تعليق عمل المنظمات وحلّها بصورة تعسّفية وإلزامها بحكم القانون بالحصول على موافقة حكومية مسبقة للتواصل مع الهيئات والمؤسسات الدولية مثل الإجراءات الخاصة. وأي مخالفة من شأنها أن تعرّض هذه المنظمات لمحاكمات جنائية وعقوبات تصل إلى الحبس لمدة 15 عاماً.
وتزداد المخاوف جرّاء المصادقة أخيراً على قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الذي يمنح السلطات الليبية الصلاحية الكاملة لإسكات حرية التعبير في الاستمارات الإلكترونية وفرض عقوبات غير متناسبة.
من هنا، يتعين على السلطات الليبية والإجراءات الخاصة العمل معاً من أجل ضمان تمكين المجتمع المدني، والنساء تحديداً، من تقديم المعلومات إلى المقرّرة الخاصة، وضمان حمايتهم من الأعمال الانتقامية من مفوضية المجتمع المدني وأي من السلطات الليبية، وقوى الأمن التابعة للدولة، والجماعات المسلّحة غير المنتمية للدولة كشرطٍ أساسي من أجل إشراك هذه المجموعات من قبل المقرّرة الخاصة.
توصياتنا بشأن العنف ضدّ النساء والفتيات في ليبيا
على ضوء المخاوف المذكورة أعلاه وموقف محامون من أجل العدالة في ليبيا كإحدى جهات المجتمع المدني العاملة على حقوق الإنسان في ليبيا، نشدّد على التوصيات التالية التي نوجّهها إلى المقرّرة الخاصة فيما يتعلق بحقوق المرأة والقضاء على العنف ضدّ النساء والفتيات في ليبيا:
1. تؤكد محامون من أجل العدالة في ليبيا إلى أهمية قيام المقرّرة الخاصة بجمع المعلومات من النساء والمدافعات عن حقوق المرأة في شرق ليبيا، وغربها وجنوبها. ذلك أنّ الحالة تختلف في كلّ من تلك المناطق، وكذلك التحديات التي تواجه النساء، ويجب أن تظهر هذه الاختلافات في النتائج التي يتمّ التوصّل إليها وفي توصيات المقرّرة الخاصة.
2. تواجه العديد من النساء والفتيات في ليبيا نقاط ضعف متداخلة، مثلاً النساء في الساحة العامة، والنساء من الأقليات الإثنية، والمهاجرات واللاجئات. كما لا بدّ من إيلاء عناية خاصة إلى الإبلاغ عن الحالة وحاجات هؤلاء النساء.
3. يتعين على المقرّرة الخاصة التشديد على جمع المعلومات بشأن العنف الإلكتروني ضدّ النساء في ليبيا، علماً أنّ هذه القضية تزداد أهميةً وفق ما وثقته محامون من أجل العدالة في ليبيا في تقريرٍ كشف عن التحرّش والتهديـدات عبـر الإنترنـت، والكراهيـة الموجهـة ضـد النسـاء عـبر الإنترنـت، والعنـف مـن خلال الرسـائل النصيـة أو الإسـاءة الجنسـية عـبر التهديـد بنشـر الصـور، واسـتخدام المعلومـات الشـخصية مـن قبيـل العناويـن الخاصة لغايـات إباحيـة مزيفـة، إضافـة إلى حالات المطاردة الإلكترونية من أجل إسكات النساء في المساحة العامة.
4. فيما يتعلق بمشروع قانون مكافحة العنف ضدّ المرأة في ليبيا لعام 2021، الذي يجرّم جميع أشكال العنف ضدّ المرأة بما يتسق مع المعايير الدولية، تشير محامون من أجل العدالة في ليبيا إلى غياب المشاورات المجدية مع المجتمع المدني أثناء الاستعراض الأولي لمشروع القانون، واستراتيجية المناصرة المحدودة من أجل إقراره. ونتيجةً لذلك، فنحن قلقون للغاية من تعديل القانون قبل إقراره. وينبغي على المقرّرة الخاصة المناصرة من أجل حفظ التعريفات المفصلة وآليات الحماية للنساء كما هي مضمّنة في المسودة الأولية.
5. إنّ دعم وتعزيز حقوق النساء في السياسة، بما في ذلك من خلال مشاركتهنّ في عملية انتخابية حرة ونزيهة وتمثيلهنّ في المؤسسات الحكومية، جانب حيوي من عملية التصدّي للعنف ضدّ النساء والفتيات على المدى الطويل. وينبغي للمقرّرة الخاصة أن تنظر في ذلك في تقييمها وتوصياتها.
وفي سياق التوترات المتزايدة، والجمود السياسي المستمر، والحكومات المتنافسة على السلطة السياسية، تحذر محامون من أجل العدالة في ليبيا من قيام السلطات الليبية باستغلال زيارة المقررة الخاصة لتعزيز الاعتراف الدولي والشرعية. ونحث المقررة الخاصة على إعطاء الأولوية لاحتياجات المرأة والمجتمع المدني وجميع المجتمعات المحلية المتضررة لجعل هذه الزيارة الهامة مؤثرة قدر الإمكان.