يصادف السادس والعشرون من يونيو يوم الأمم المتحدة الدولي لدعم ضحايا التعذيب. وبهذه المناسبة، تودّ كلّ من منظمة "محامون من أجل العدالة في ليبيا"، ومنظمة "ريدرس"، و "ديغنيتي" أو "المعهد الدانماركي لمناهضة التعذيب"، أن تعرب عن إدانتها لأعمال التعذيب وغيره من أشكال المعاملة المسيئة في ليبيا، وعن تخوّفها من استمرار هذه الأعمال. يعدّ التعذيب أحد أخطر انتهاكات حقوق الإنسان، فهو يقضي على كرامة الإنسان المتأصّلة، ويخضعه لألم جسديّ ونفسي بالغ ويسبّب له الإذلال. لذلك، يفترض بالدولة، في كافة الظروف، أن تضمن المنع المطلق للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة المسيئة، من دون أي استثناء على ذلك. وعليه، نناشد، نحن المنظمات الموقعة أدناه، الحكومة الليبية اتخاذ التدابير الفعالة والمباشرة لمنع جميع أشكال التعذيب والمعاملة المسيئة، وتطبيق هذا الحظرعن طريق قيادة التحقيقات المستقلّة، والملاحقات القضائية، وضمان التعويض لضحايا التعذيب، وإعادة تأهيلهم.
في عهد القذافي، كان التعذيب من الممارسات الشائعة والمتكرّرة في سياق الدولة. وفيما كانتالحكومات المتتالية تعرب عن نيتها في استئصال التعذيب من الوجود، إلاّ أنّهبقي خطراً محدقاً. عملت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا على جمع المعلومات حول 27 حالة وفاة أثناء الاحتجاز ما بين أواخر عام 2011 وأكتوبر 2013. وسجّلت منظمة العفو الدولية بدورها 23 حالةً من هذا النوع منذ سبتمبر 2011، بالإضافة إلى شكاوى أخرى تلقتها عن حالاتٍ لم تستطع توثيقها بالكامل.
في قرارٍ اعتمد في مارس 2014، حثّ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الحكومة الليبية على "تكثيف الجهود من أجل منع أعمال التعذيب، والتحقيق في كافة المزاعم عن ممارسة التعذيب وغيره من أشكال المعاملة المسيئة في مرافق الاحتجاز، والقيام بما يلزم لمحاكمة مرتكبي هذه الأعمال." في وقتٍ تنوّه فيه المنظمات الموقعة أدناه بالجهود التي بذلتها السلطات في العام 2013 لاعتماد تشاريع تتوافق مع الأحكام المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية أو المهينة، إلاّ أنّ هذه التشاريع تبقى ضعيفةً. ففي الواقع، تضيّق المادة 2 من القانون المتعلق بتجريم التعذيب والإخفاء القسري والتمييز، الصادر عام 2013،من نطاق التعريف المنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية أو المهينة،كونها تحصر التعذيب بالأعمال المرتكبة بحقّ المحتجزين، ولا تدرج سوى ثلاث غايات محظورة فقط. ولم يلتزم هذا القانون بمبدأ عدم الإعادة القسرية الذي يحظّر منع ترحيل، أو تسليم أو نقل شخص إلى دولة تتوافر فيها أسباب تدعو للاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرّض للتعذيب. من هنا، يجب على الدولة أن تحرص على اعتماد إطار عمل قانوني ومؤسساتي يضمن الحماية الكاملة للضحايا ويمنع أي حالات تعذيب مستقبلية، سيما وأنّ القانون لا يأتي على ذكر عدد من الموجبات الأخرى الملقاة على عاتقالدولة الليبية مثل عدم مقبولية الشهادات المدلى بها أثناء الخضوع للتعذيب، والحق في التعويض، وواجب التحقيق، وتجريم أعمال التعذيب التي ترتكبها الجهات غير المنتمية للدولة، والولاية القضائية العالمية.
لا يكفي أن تلتزم التشاريع بما تنصّ عليه اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية أو المهينة فحسب، بل يفترض بالدولة أيضاً أن تضمن قابلية هذه التشاريع للتنفيذ في الممارسة: من هنا، لا بد من اتخاذ خطوات ملموسة لمنع التعذيب، من قبيل تدريب الموظفين الذين يتعاملون مع المحتجزينتدريباً مناسبا، وضمان أمن مرافق الاحتجاز وتنظيمها كما يجب. وفقاً لتقرير العام 2013 الصادر عن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، غالباً ما يمارس التعذيب أثناء التوقيف، وفي الأيام الأولى للاستجوابات، بنية استدرار الاعترافات أو المعلومات من الموقوفين. لذلك، من الضروريّ إرساء ضمانات ملائمة من أجل منع حدوث أعمال التعذيب قبل المحاكمة، ووضع مرافق الاحتجاز الخاضعة للفرق المسلّحة تحت سيطرة الحكومة.
يحتجز آلاف المعتقلين لأسباب متعلّقة بالنزاع في ليبيا من دونالمحاكمة وفقاً للقانون، في ظروفٍ لا تُحترم فيها المعايير الدولية. تفيد الإحصاءات الصادرة عن وزارة العدل في مارس 2014، عن 6200 محتجز في السجون تحت سيطرة الشرطة القضائية، لم يدن منهم سوى 10%. فرغم المهلة القانونية التي تفرض على السلطات إدانة جميع المحتجزين "المرتبطين بالنظام السابق" أو إطلاق سراحهم بحلول 2 أبريل، لا يزال المئات من المحتجزين لأسبابٍ متعلّقة بالنزاع ينتظرون الخضوع للتدقيق القضائي من قبل النيابة، مع أنّ البعض منهم قد يبدوخاضعاً للمحاكمة أو التحقيق.وعليه، تناشد المنظمات الموقعة أدناه السلطات الليبية بالإقدام على الفور إمّا على إدانة هؤلاء المحتجزين أو إطلاق سراحهم بما يتوافق مع القانون المتعلّق بالعدالة الانتقالية الصادر عن المؤتمر الوطني العام في 22 سبتمبر 2013.
هذا وتبقى فرص الجبر والتعويض محدودةً بالنسبة إلى ضحايا التعذيب. يعزى السبب في ذلك إجمالاًإلى غياب الفهم الكامل لهذا الحق، أو الآليات الفعالة للتعويض، ونتيجة الوضع الأمني غير المستقر في ليبيا. حاولت منظمات وهيئات عدةمعالجة هذا الوضع وتوفير فرص للتعويض، كما فعل المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان الذي أتاح لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أن يرفعوا شكاواهم وتقاريرهم حول الانتهاكات. ولكن، لم تُرفع سوى 61 شكوى تعذيب للمجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان في العام 2013. لا تعتبر فيه هذه الإحصاءاتدالّةً على العدد الصحيح من الأفراد الذين خضعوا لهذا النوع من الانتهاكات، ولكنّ عدد الشكاوى يشير إلى اتجاهٍ مقلقٍ مفاده أنّ ضحايا التعذيب وغيره من أشكال المعاملة المسيئة غالباً ما يرتدعون عن المطالبة بالتعويض نتيجةً للوضع الأمني المتردّي. بالإضافة إلى ذلك، لم يتضح بعد ما إذا كانت أيّخطوات إضافيةقد اتخذت لتأمين التعويض للحالات الإحدى والستين. من هنا، تحثّ المنظمات الموقعة أدناه الحكومة على ضمان الموارد الملائمة للمجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان، وغيره من الهيئات الحكومية حتى تتوفّر لديها إمكانيات التحقيق في الشكاوى فوراً وكما يجب.
تتعرّض عمليات الجبر والتعويض للعرقلة أيضاًفي ظلّ غياب الأمن على المستوى الداخلي ما يعني أنه من الصعب على العاملين في مهنة الحقوق قيادة الإجراءات القانونية باسم ضحايا التعذيب. فقد خضع القضاة والمحامون والمدعون العامون والشهود لاعتداءات مستمرة، كما حدث للنائب العام عبد العزيز الحصادي، الذي اغتيل في 8 فبراير 2014. في الواقع، شهد العام المنصرم ست عمليات اغتيال على الأقل لأشخاص عاملين في نظام العدالة الجنائية. ومن المعروف أنّ الاعتداءات أو التهديدات ضدّ العاملين في مجال القانون تُضعف نظام العدالة وتمنع ضحايا التعذيب من الوصول إلى الآليات الملائمة للجبر والتعويض. في وقتٍ تعود فيه مسؤولية ضمان الملاحقة القضائية ضد انتهاكات المنع المطلق للتعذيب، والالتزام بمعايير اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية، أو اللاإنسانية أو المهينة، للقضاة والمدعين العامين، يتعيّن على الدولة من جهتها أن تضمن لهمإمكانية مزاولة عملهم من دون أيّ خوف من الانتقام.
على ضوء كلّ ما سبق، توصي المنظمات الموقعة أدناه الحكومة المنتخبة حديثاً بما يلي:
للاستفسارات الإعلامية، يرجى الاتصال بـ:
"محامون من أجل العدالة في ليبيا":
أمل الحضيري، المسؤولة عن المناصرة
هاتف: 5071 7242 20 (0) 44+
البريد الإلكتروني: info@libyanjustice.org
"ديغنيتي":
آندرز بيرنهوفت، رئيس قسم الصحافة
هاتف: 57 86 52 22 45+
البريد الإلكتروني: ab@dignityinstitute.dk
"ريدرس":
إيفا سانشيز، المسوؤلة عن الاتصالات
هاتف: 1777 7793 20 (0) 44+
البريد الإلكتروني: eva@redress.org