رحبت منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا بالبيان الصادر عن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، السيّدة فاتو بنسودا، إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حول الأوضاع في ليبيا. وقد أشار البيان الذي نُشر في التاسع من نوفمبر 2016 إلى التزام مكتب المدعي العام بإجراء التحقيقات اللازمة في الجرائم الدولية السابقة والمستمرّة في ليبيا، عن طريق بذل المزيد من الجهود المكثفة ومع اعتبار هذه المسألة أولويةً ملحة في العام القادم. و هذا البيان يعيد التأكيد على إمكانية العمل على وضع حدّ للحصانة المطلقة التي ينعم بها مرتكبو انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا.
ومع اعتماد قرار مجلس الأمن رقم 1970 بالإجماع سنة 2011، أحيل الوضع في ليبيا منذ 15 فبراير 2011 إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بغية التحقيق في مزاعم الجرائم المرتكبة. ومنذ ذلك الحين، تم التأكيد مراراً على الطبيعة المستمرّة لهذا التفويض، بما يسمح بالنظر في الانتهاكات المستمرّة والحالية في ليبيا.
ولكن، على الرغم من التفويض المستمر لمكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، والاعتراف المتكرّر بأنّ الجرائم ذات الصلة قد ارتكبت في ظلّ حصانة كاملة ينعم بها الجناة في ليبيا، لم تصدر سوى ثلاث مذكرات توقيف منذ العام 2011 وحتى اليوم. وكانت المدعي العام في بيانات سابقة لها، قد نسبت مسألة عدم إصدار مذكرات توقيف جديدة إلى القيود المالية والوضع الأمني الخطير في ليبيا الذي يحول دون تقدّم موظفي مكتب المدعي العام في تحقيقاتهم الميدانية. وكان قد سبق لمحامون من أجل العدالة في ليبيا أن عبّرت عن خيبة أملها، مشيرةً إلى الآثار السلبية الناتجة عن عدم قيام المحكمة بواجبها في ما يتعلق بالمساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان. كما لفتت المنظمة في بيانها ذاك إلى فشل المحكمة في توفير رادع قانوني يمنع ارتكاب المزيد من الانتهاكات.
غير أنّ التقرير الثاني عشر لمكتب المدعي العام حول الوضع في ليبيا يقترح التزاماً متجدداً في دعم المساءلة والجهود الرامية إلى تحقيق العدالة في ليبيا. وقد أقر مكتبّ المدعي العام من جديد بتدهور الوضع الأمني وتبعاته على المدنيين الأبرياء، وأدان الجرائم التي ترتكب على يد داعش، وأنصار الشريعة وغيرهم من أطراف الصراع الدائر في ليبيا. وقد عبّرت المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، السيدة فاتو بنسودا، عن نيتها في منح الأولوية في سنة 2017 لمعالجة الوضع في ليبيا، والتعاون مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا حتى يتمكن محققو مكتب المدعي العام باستعادة عملهم على الأراضي الليبية في أقرب فرصة ممكنة. كما أعلنت عن استعدادها لرفع التقارير حول "النتائج الملموسة" لهذا الالتزام المتجدّد بحلول شهر مايو من العام المقبل، وعن آمالها في إصدار مذكرات توقيف جديدة في المستقبل القريب.
في هذا السياق، صرّحت مدير منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا، إلهام السعودي، بقولها: "ما صدر عن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يمثّل أملاً متجدداً لإمكانية العمل على وضع حدّ للحصانة المطلقة التي ينعم بها مرتكبو الفظائع الماضية والحالية التي تقترف في ليبيا. ومن الضرورة القصوى في هذه المرحلة الحرجة أن يلقى مكتب المدعي العام الدعم من المجتمع الدولي ومن الدولة الليبية لكي يتمكن من أداء مهامه بفعالية." وأضافت: "من المهم أيضاً أن يستخلص مكتب المدعي العام الدروس من التزامه في ليبيا على مر السنوات الخمسة الماضية. فلتحقيق أثر مستدام وفعال في الحد من مشكلة الإفلات من العقاب، يجب أن تترافق الجهود المتجددة لمكتب المدعي العام بالتزامٍ منه في التواصل والتعاون مع الشعب الليبي ومع المجتمع المدني في ليبيا. فلا يمكن التقليل من شأن اعتبار المحكمة الجنائية الدولية حليفاً محايداً، مهتماً في العمل يداً بيد مع الليبيين تحقيقاً للعدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم الخطيرة، لا أن ينظر إلى المحكمة كقوة أحادية تنطلق من مصالحها المؤسساتية الذاتية."
ولكي تتكلّل هذه الجهود بالنجاح، تحث منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا المجتمع الدولي على تقديم الدعم اللازم لمكتب المدعي العام في أنشطته المستمرة، عن طريق التعاون معه وتزويده بالموارد المالية الكافية. إذ يجدر بكل من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والدول الأطراف وغير الأطراف في نظام روما الأساسي التأكيد على التزامها بتحقيق العدالة من خلال مساندة مكتب المدعي العام في هذا الصدد. أما الدولة الليبية فيفترض بها تسهيل عملية إجراء التحقيقات الجديدة، كما يمليها عليها القرار رقم 1970، والسعي من أجل التواصل مع المحكمة الجنائية الدولية عن طريق التعاون والتنسيق. وعليه، تقترح محامون من أجل العدالة في ليبيا النظر في الفرص التي تتيحها إمكانية "التكامل الإيجابي"، وبخاصة الدور الذي تؤديه المحكمة الجنائية الدولية في دعم الدول الأطراف في ملاحقاتها للجرائم الدولية. فأمام ليبيا مثلاً مجال كافٍ للتفاوض في إقامة محاكمات المحكمة الجنائية الدولية في البلاد، الأمر الذي يبقى حتى الآن بديلاً لم يبحث في احتمال تطبيقه. هذا وتناشد محامون من أجل العدالة في ليبيا أيضاً مكتب المدعي العام تسيير أعماله بطريقة يتواصل فيها مع الشعب الليبي بشأن التفويض الممنوح له والعمليات التي يقوم بها تواصلاً فعالاً في هذه الأوقات الحرجة.