بعد اعتماد مجلس الأمن القرار رقم 2510 بشأن ليبيا، محامون من أجل العدالة في ليبيا تدعو مجلس الأمن والدول الأعضاء إلى إعطاء الأولوية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن المتعلّقة بتحقيق المساءلة عن انتهاكات القانون الدولي وحظر الأسلحة.
بتاريخ 12 فبراير 2020، اعتمد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (مجلس الأمن) القرار رقم 2510 (القرار) المتعلّق بالوضع في ليبيا. يتبنّى هذا القرار النتائج التي انبثقت عن مؤتمر برلين الذي عُقد بتاريخ 19 يناير 2020 (المؤتمر) وأقرّ فيها بأهمية محاسبة المسؤولين عن تجاوزات القانون الدولي. في وقتٍ ترحّب فيه محامون من أجل العدالة في ليبيا بإدانة مجلس الأمن للعنف المستمرّ ودعوته إلى وقف إطلاق النار، إلاّ أنّها تعتبر أنّ القرار نفسه لم يقدّم إلاّ القليل من المبادرات الجديدة.، إنما يعيد التأكيد على التزامات الدول الأعضاء بالآليات الموجودة والقرارات السابقة. بالإضافة إلى ذلك، تبقى لغة القرار في ما يتعلّق بالمساءلة متساهلةً. فالقرار يطالب بالتزام الأطراف المتنازعة بالامتثال للقانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني، ولكنّه مع ذلك لا يطالب بإخضاع مرتكبي الانتهاكات للمساءلة. "في الواقع، كلّ ما يقدّمه هذا القرار هو إضاءة على أنّ المشكلة في ليبيا لا تكمن في غياب القرارات الصادرة عن مجلس الأمن، بل في التخلّف عن تنفيذها." هذا ما صرّحت به ناتالي مازور، المسؤولة العليا لبرنامج المساءلة والعدالة الانتقالية في محامون من أجل العدالة في ليبيا. وأضافت: "في الحقيقة، ما يجب التذكير به هو أنّ قرارات مجلس الأمن ملزمة لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. وتطبيق القرارات ليس خياراً بل واجباً على جميع الدول الأعضاء، بما في ذلك عن طريق تفعيل الآليات الوطنية."
اتُّخذ عدد كبير من القرارات السابقة لمجلس الأمن من أجل حماية حقوق الإنسان وتحقيق المساءلة. فقد هدف القرار رقم 1970 لسنة 2011 بشكلٍ خاص إلى تفويض المحكمة الجنائية الدولية باختصاص النظر في الوضع في ليبيا، وتطبيق حظر للأسلحة وإنشاء لجنة عقوبات (اللجنة). وتكون للجنة القدرة على تسمية أفراد وهيئات "مشاركة أو متواطئة في (...) الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ضدّ الأشخاص في ليبيا"، بمن فيهم كلّ من يطلب أو يصدر أمراً بتنفيذ اعتداءات تنتهك القانون الدولي. وأتت القرارات اللاحقة لتوسّع من نطاق تفويض اللجنة لكي تعمد من بين جملة أمور إلى تسمية أفراد أو هيئات تشارك في أو تدعم الأعمال المهدّدة للسلام، والأمن والاستقرار في ليبيا أو تلك التي تمنع أو تقوّض عملية التحوّل السياسي أو تخرق حظر الأسلحة.
وبالرغم من القرارات السارية، فإن الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي والموثّقة توثيقاً جيّداً، والدعم العسكري المعترف به لأطراف النزاع في خرقٍ واضح لحظر الأسلحة قوبلت بإدانة قليلة. لم تسمّ اللجنة سوى ثمانية أفراد فقط لفرض عقوبات عليهم منذ العام 2011. في المقابل، يتمّ تجاوز قرارات مجلس الأمن من قبل الجهات المتنازعة ومن الدول الأعضاء أيضاً وسط إفلاتٍ تامّ من العقاب. من جهته، عمد فريق خبراء الأمم المتحدة المعني بليبيا، وهو الهيئة المكلّفة بمساندة اللجنة وجمع ودراسة وتحليل المعلومات المتعلّقة بتطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الأمن حول ليبيا، لا سيما في ما يخصّ حالات عدم الامتثال، إلى رفع تقارير حول انتهاكات عديدة لحظر الأسلحة من قبل الدول الأعضاء وحول انتهاكات القانون الدولي التي لم تتمّ معالجتها. من هنا، يمكن القول إنّ أساس العمل موجود ولكن المشكلة تكمن في التطبيق.
تتمثّل إحدى المشاكل الأساسية في أنّ الدول الأعضاء في مجلس الأمن تشكّل عضوية اللجنة، والتسميات تتمّ بالتوافق في ما بينها. وفي هذا السياق، علّقت مازور بقولها: "إنّ امتناع اللجنة عن التحرّك ردّاً على الانتهاكات الفاضحة لقرارات مجلس الأمن، لا سيما تلك التي تنجم عنها انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، يدلّ على أنّ المصالح السياسية وغياب الإرادة السياسية من قبل الدول الأعضاء في مجلس الأمن هي التي تؤثّر وتمنع تسمية الجهات التي تسري عليها العقوبات. ذلك أنّ عملية التسمية هذه يجب أن تأتي نتيجة عملية صنع قرار مستقلّة وغير منحازة تبنى على القواعد السارية التطبيق وليس على أساس المصالح السياسية للدول الأعضاء في مجلس الأمن."
تذكّر محامون من أجل العدالة في ليبيا الدول الأعضاء بالتزامها تطبيق قرارات مجلس الأمن، بما في ذلك على المستوى الوطني. فالعديد من الدول الأعضاء تحتفظ بأنظمتها الخاصة لفرض العقوبات، وهو ما يمكّن هذه الدول من إصدار عقوباتٍ أحادية لجملة أهداف مثل الردّ على انتهاكات حقوق الإنسان أو تعزيز الأمن والسلم الدوليين. وأضافت مازور: "يجب على الدول أن تستخدم تشريعات محدّدة تتيح لها معاقبة الأفراد الذين يرتكبون انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. يشكّل قانون ماغنيتسكي الدولي للمساءلة حول حقوق الإنسان في الولايات المتحدة الأميركية، وقانون مكافحة غسيل الأموال والعقوبات الخاصة في المملكة المتحدة سوى أمثلةً على إمكانية تفعيل التشريعات المحلية لتطبيق القرارات الملزمة لمجلس الأمن وتحقيق المساءلة. كما تمكّن المحاكم الوطنية في العديد من الدول الأعضاء من ملاحقة مرتكبي الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في ليبيا بما يتوافق مع مبدأ الولاية القضائية العالمية."
في ظلّ غياب المساءلة عن انتهاكات قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ستكون مبادرات المؤتمر عرضةً للفشل مرةً بعد، وسيتواصل النزاع ومعه انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا. ليس من الكافي أن تصادق الأمم المتحدة والدول الأعضاء على نتائج المؤتمر وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بحماية القانون الدولي والمساءلة عن الانتهاكات فحسب بل عليها الالتزام بتطبيقها أيضاً. وإنّ وضع حدّ للإفلات من العقاب من خلال التطبيق الفعلي لهذه القرارات لا يقع على مسؤولية مجلس الأمن والدول الأعضاء فقط، بل هو عنصر أساسي لولاية مجلس الأمن حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين.