حضرات الأعضاء الكرام في الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور (الهيئة التأسيسية)،
يهمّ منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا ومنظمة ريدرس ترست (ريدرس) العاملتين في مجال حقوق الإنسان، وتحديداً على قضية حظر التعذيب والمعاملة السيئة في ليبيا، أن تنوّها بالجهود التي تبذلها الهيئة التأسيسية من أجل إعداد دستور جديد لليبيا. ومع ذلك، فهما تعربان عن قلقهما لكون مسودة الدستور التي نشرتها الهيئة التأسيسية في أبريل 2016 (ـمسودة الدستور لشهر أبريل 2016) لا تضمن الحظر المطلق للتعذيب والمعاملة السيئة ضمن الأراضي الليبية أو الولاية القضائية لليبيا. ونكتب إليكم اليوم، بصفتكم أعضاء في الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، لنناشدكم الحرص على ضمان اتساق الدستور المستقبلي لليبيا مع المعايير الدولية، والتمسّك بالحظر المطلق للتعذيب والمعاملة السيئة، ومحاسبة الجناة وتقديم حق الانتصاف للضحايا.
وكانت محامون من أجل العدالة في ليبيا وريدرس قد سبق وقدمتا تحليلاً وتعليقاً متعمّقين إلى أعضاء الهيئة التأسيسية، على أثر نشر مقترحات اللجان النوعية في ديسمبر من سنة 2014. وقامت المنظمتان اليوم بتحديث هذا الاستعراض، على ضوء التعديلات الأخيرة التي تضمّنتها مسودة الدستور لشهر أبريل 2016، وذلك من أجل دراسة مدى تكريس هذه المسودة الجديدة لمبدأ حظر التعذيب والمعاملة السيئة. يرجى الاطلاع على التحليل المحدّث المرفق ربطاً بهذه الرسالة.
يندرج التعذيب والمعاملة السيّئة في خانة الجرائم الأكثر خطورةً والتي تنتشر في ليبيا على مرّ الأجيال، رغم المحاولات المتكرّرة من جانب الحكومات المتتالية لوضع حدّ لهذه الممارسات، والحرص على عدم إفلات مرتكبيها من العقاب. من هنا، فإنّ تكريس الحظر المطلق للتعذيب والمعاملة السيّئة على أعلى مستويات النظام القانوني المحلي في ليبيا من شأنه أن يظهر التزام ليبيا بمناهضة التعذيب، ويجذب الانتباه إلى أهمية هذه الخطوة، ما يسهم بالتالي في القضاء على ممارسات التعذيب والمعاملة السيئة في البلاد.
ولكن، تعرب محامون من أجل العدالة في ليبيا وريدرس عن قلقهما حيال اللغة الضعيفة لمسودة الدستور لشهر أبريل 2016 في ما يتعلق بحظر التعذيب والمعاملة السيئة. فكما هو مشار إليه بالتفصيل في التعليق المرفق، لا تدرج مسودة الدستور لشهر أبريل 2016 الالتزامات والضمانات الرئيسية ضدّ التعذيب والمعاملة السيئة كما هو منصوص عليها في اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (اتفاقية مناهضة التعذيب) التي صادقت عليها ليبيا في العام 1989. وتتضمن هذه الالتزامات على سبيل المثال الحظر المطلق للتعذيب والمعاملة السيئة في كافة الظروف وهو ما تفتقر إليه مسودة الدستور لشهر أبريل 2016. عوضاً عن ذلك، جلّ ما تنصّ عليه هذه المسودة هو التزام "الدولة بحماية الكرامة الإنسانية والوقاية من صور العنف ومناهضة التعذيب وضروب المعاملة القاسية والمهينة واللاإنسانية والإخفاء القسري."[1]
كما تتخوّف المنظمتان أيضاً من واقع أنّ نصّ مسودة الدستور لشهر أبريل 2016 لا يرسّخ إطار عمل شامل للمحاسبة. بل عوضاً عن ذلك، يمكن أن يفسّر بطريقةٍ تقدّم لمرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان كالتعذيب والمعاملة السيئة العفو من العقاب على أفعالهم. تنص المادة 117 من مسودة الدستور لشهر أبريل 2016 مثلاً على "عفو خاص" في نطاق غير واضح ويمكن أن ينطبق على انتهاكات حقوق الإنسان، بما فيها التعذيب والمعاملة السيّئة.[2]
علاوةً على ذلك، لا تحظر مسودة الدستور لشهر أبريل 2016 استخدام الأدلة التي يتم الحصول عليها جرّاء التعذيب، وهو أمر قد يعطي انطباعاً أنّ ممارسة التعذيب مشروعة عند تحقيق العدالة، ما قد يشجّع بالتالي على ارتكابها. إضافةً إلى ذلك، لا تتضمن المسودة حظراً كاملاً للاعتقال والاحتجاز التعسّفيين رغم أنّ هذا الحظر يشكّل إحدى أهمّ الضمانات ضد التعذيب، التي تعتبر ذات صلة بالسياق الليبي بشكلٍ خاص، على اعتبار أنّ أفعال التعذيب غالباً ما ترتكب مباشرةً بعد الاعتقال وخلال الأيام الأولى للاستجواب، بحسب ما تفيد به التقارير.[3]
كما هو مشار إليه بمزيدٍ من التفاصيل في التعليق المرفق، تطالب محامون من أجل العدالة في ليبيا وريدرس بإجراء التعديلات التالية من أجل توفير إطار دستوري شامل يساهم في إنفاذ حظر التعذيب والمعاملة السيئة ومعالجة مسألة الحصانة المستمرة وثقافة تقبّل هذه الأفعال في ليبيا:
يتوسّع التعليق التالي في هذه النقاط ويقدّم اقتراحات لتعديل صياغة مسودة الدستور. ومما لا شك فيه أنكم، بصفتكم أعضاء في الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، تؤدون دوراً فاعلاً في ضمان احترام الدستور المستقبلي للالتزامات الدولية لليبيا، وهو ما يسهم في القضاء نهائياً على ممارسات التعذيب والمعاملة السيئة في ليبيا. وتبقى محامون من أجل العدالة في ليبيا وريدرس على أتم الاستعداد لتقديم المساعدة التقنية وأي معلومات إضافية، في أي وقت، خلال ما تبقى من عملية الصياغة.
لكم منّا فائق التقدير والاحترام،
محامون من أجل العدالة في ليبيا
ريدرس
[1] مسودة الدستور لشهر أبريل 2016، المادة 40.
[2] المادة 117: "يكون العفو الخاص بقرار من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي رئيس الحكومة والمجلس الأعلى للقضاء، بما لا يتعارض مع أحكام هذا الدستور."
[3] بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، التعذيب وحالات الوفاة في مراكز الاحتجاز في ليبيا، أكتوبر 2013.