في وقتٍ متأخّرٍ من الأسبوع الماضي، بتاريخ 4 تشرين الأول/أكتوبر 2024، قرّرت المحكمة الجنائية الدولية الاستجابة لطلب المدعي العام فرفعت الأختام عن ستة أوامر قبض صادرة بشأن الحالة في ليبيا. وكانت هذه الأوامر الستة التي صدرت في 6 نيسان/أبريل وفي 18 تموز/يوليو 2023 قد بقيت سريةً حتى الآن، وهي تعنى بجرائم الحرب التي يزعم أنها ارتُكبت في ترهونة، بلدة تقع في منطقة جنوب شرق طرابلس، وشملت القتل والتعذيب والعنف الجنسي والاغتصاب. ويعتقد اليوم أنّ ترهونة تحتوي على مئة من المقابر الجماعية من الفترة ما بين 2016 و2020.
وقد يحمل هذا التطوّر بارقة أمل بالنسبة إلى الضحايا والمجتمعات المتضرّرة في ترهونة، وإلى العاملين على قضايا حقوق الإنسان في ليبيا، فيبشّرهم بعدالةٍ ومساءلة طال انتظارهما عن كلّ الفظائع التي مرّوا بها.
"يأتي هذا التطور بعد فترة من خيبة الأمل العميقة بين الأسر، التي فقدت الأمل حتى في تحقيق العدالة من خلال القضاء المحلي. جاءت مذكرات الاعتقال بمثابة صدمة، لكنها كانت مليئة بالفرح، مختلطة بالحزن الذي خيم على أمهات وأرامل وزوجات المفقودين طوال سنوات طويلة من البحث عن العدالة المراوغة. إن مذكرة الاعتقال هي اعتراف ضمني وخطوة نحو منع الإفلات من العقاب الذي يسود ليبيا." - كريم سلامة, رئيس منظمة صوت لحقوق الإنسان.
ولكن، ومع الإقرار بأنّ عملية رفع الأختام عن أوامر القبض من شأنها أن تسهم في منع المزيد من الجرائم التي يرتكبها المشتبه فيهم وشركاؤهم، يبقى أنّ أوامر القبض وحدها لا تكفي. فحتى تاريخه، لم يمثل أي من المشتبه فيهم عن الجرائم المرتكبة في ليبيا أمام المحكمة، على الرغم من أوامر القبض العديدة التي صدرت عن المحكمة. ويتجلّى هذا الجمود في القضية العالقة ضدّ سيف الإسلام القذافي الذي صدر بحقه أمر قبض علني منذ سنة 2011 من دون تحقيق أي تقدّم على خطى اعتقاله.
وبالنظر إلى غياب التعاون الواضح من جانب السلطات الليبية بشأن اعتقال المشتبه فيهم وتسليمهم للمحكمة، لا توفّر أوامر القبض الجديدة أيّ ضمانة لتحقيق العدالة للضحايا. ولا يمكن قياس نجاحها إلا على أساس ما سيجري فيما بعد، وبحسب استعداد المحكمة للضغط على السلطات الليبية وعلى السلطات الأخرى ذات الصلة، بناءً على مكان وجود المشتبه فيهم، من أجل التعاون.
قالت إحدى الأمهات: "عندما تلقيت الخبر، شعرت وكأن شيئًا لم يحدث، وأن ابني لم يُقتل. شعرت بالعدالة، وستكون أعظم فرحتي عندما يتم القبض عليهم وتسليمهم إلى المحكمة الدولية".
تأتي أوامر القبض هذه أيضاً في سياق خطة المدعي العام لاستكمال التحقيقات في جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية المرتكبة في ليبيا بحلول نهاية العام 2025. وكان المجتمع المدني الليبي قد طرح مخاوف بشأن استراتيجية المدعي العام لاستكمال الأنشطة، مع الأخذ في الاعتبار مرةً بعد غياب التقدّم في القضايا وغياب التعاون من قبل السلطات، مما يلقي ظلالاً من الشكّ بشأن التقدّم الملموس الذي يمكن للمدعي العام أن يحرزه في ليبيا في العام المقبل.
تذكّر أوامر القبض التي رُفعت عنها الأختام بالعدد الكبير من الجرائم التي لم تنظر فيها المحكمة بعد، بما في ذلك الجرائم التي تقع ضمن خطوط التحقيق حيث لم تتوفّر أي معلومات عامة عن التقدم المحرز بشأن تحقيقات المحكمة - الجرائم في مرافق الاحتجاز، والجرائم ضد المهاجرين. وتشير النتائج التي توصلنا إليها، ونتائج بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق في ليبيا ومنظمات المجتمع المدني الأخرى، إلى وفرة المعلومات التي تحدّد جرائم نظام روما الأساسي التي ارتُكبت ولا تزال تُرتكب في هذه المجالات، ومع ذلك لم يتم إصدار أوامر قبض لمثل هذه الجرائم حتى الآن.
"من المهم ان تتواصل جهود المحكمة الجنائية فيما يخص ملاحقة مرتكبي الجرائم ، والحد من الإفلات من العقاب ، ولكن الأهم من ذلك هي أن تكون هذه الجهود جادّة وغير تمييزية ولا انتقائية ، وان تشمل الجميع دون استثناء ، وان لا تُحرك الملفات حسب الآهواء السياسية . حقيقةً لا أستطيع ان افهم كيف تجاهلت المحكمة ما يحدث من انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية في سجون طارق بن زياد وقرنادة والكويفية والردع ذات السمعة السيئة ، ولماذا لم يتم الانتصاف لآهالي تاورغا ؟
العدالة الذي نريدها ، هي التي تشمل الجميع ، ولا تخدم الطرف الأقوى أو تصمت عن جرائمه." - منصور عاطي المدير التنفيذي لمنظمة إنصاف للحقوق والحريات.
وإذ تتطلّع نحو المستقبل، تؤكد محامون من أجل العدالة في ليبيا مجدداً دعوتها إلى أن تكثف المحكمة، ولا سيما مكتب المدعي العام، الجهود لتوفير قدر من المساءلة والعدالة للضحايا في جميع أرجاء ليبيا. وبدون محاكمة الجناة المزعومين في لاهاي أو إصدار أوامر قبض أخرى، من شأن المحكمة أن تخلّف جزءاً كبيراً من الأعمال غير المنجزة في ليبيا.