وقف التعذيب: دعوة عالمية لإنهاء التعذيب
26 يونيو 2015 (كاتماندو، ليما، لندن، نيروبي) – في العام 1987، تقدّمت دول العالم خطوةً هامةً إلى الأمام على درب الحظر الشامل للتعذيب. ففي تلك السنة، دخلت اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة حيّز التنفيذ، فأرست مجموعةً من الخطوات الملموسة التي يجب على الدول اتخاذها من أجل منع التعذيب، ومعاقبة الجناة، وضمان وصول الضحايا إلى جبر الضرر. كما رسّخت الاتفاقية في القانون التزام كافة الدول بضمان عدم إفلات مرتكبي التعذيب من العدالة، أينما كان موقع ارتكاب الجرائم أو مكان وجود الجناة. وتكريماً لاتفاقية مناهضة التعذيب، وتضامناً مع ضحايا التعذيب من حول العالم، أُعلن 26 يونيو يوماً دولياً لمساندة ضحايا التعذيب.
صيغت اتفاقية مناهضة التعذيب لتجعل مكافحة التعذيب في العالم أكثر فعاليةً. ولكن اليوم، وبعد مرور ما يقارب الثلاثين عاماً على دخول هذه الاتفاقية حيّز التنفيذ، لا يزال التعذيب من الممارسات المنتشرة على نحوٍ شائع في العديد من الدول.
في هذا السياق، أكّد رئيس مجلس أمناء منظمة "ريدرس" إمير جونز باري، بقوله: "صادقت 158 دولة على اتفاقية مناهضة التعذيب، ولكن كما تؤكّد نشاطات منظماتنا العاملة في مجال حقوق الإنسان وسواها على الأرض، فإنّ ممارسات التعذيب والمعاملة السيئة لا تزال منتشرةً على نطاقٍ واسعٍ في مختلف أنحاء العالم، تعمل على تدمير حياة المواطنين، وتفكيك الأسر والمجتمعات المحلية وتقويض الأنظمة الديمقراطية وحكم القانون".
انضمّت ليبيا إلى اتفاقية مناهضة التعذيب كدولةٍ طرف في العام 1989، ولكن، يبقى الإطار القانوني الوطني المطبّق في البلاد حتى اليوم غير متوافق مع أحكام الاتفاقية، ويكاد التعذيب بعد ثورة العام 2011 يتحوّل إلى ممارسة منهجية مستشرية في البلاد. فوفقاً لدراسةٍ أجراها المعهد الدانماركي لمناهضة التعذيب، المنظمة الشريكة لـ"محامون من أجل العدالة في ليبيا"، بالتعاون مع جامعة بنغازي، يتعرّض 53% من المعتقلين والمحتجزين والمساجين للتعذيب أثناء الاعتقال. وتُرتكب أفعال التعذيب من قبل الدولة والجهات غير المنتمية للدولة على حدّ سواء، وسط حصانةٍ تامة للجناة. ولم تتمكن الدولة الليبية بعد من ضمان إجراءات سريعة ومحايدة للتحقيق في قضايا التعذيب في ظلّ غياب آليات وطنية فعالة للوصول إلى العدالة. ونتيجةً لذلك، لا تتوافر للضحايا في ليبيا أي وسيلة تتيح لهم الحصول على التعويضات القانونية.
من جهتها، صادقت النيبال على اتفاقية مناهضة التعذيب في العام 1991، ولكن، لا يزال التعذيب غير مصنّف كجريمة جنائية بموجب القانون في النيبال. ويشير أحدث تقرير Advocacy Forum”" صدر اليوم بعنوان "التعذيب في النيبال: المزيد من الشيء نفسه" أنّ 16% من أصل 1916 محتجزاً قامت المنظمة بمقابلتهم ادعوا أنهم تعرضوا للتعذيب و/أو المعاملة السيئة في مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة. وترتفع هذه المعدّلات لدى الأحداث، إذ زعم 24% ممّن هم دون الثامنة عشرة أو في سنّ الثامنة عشرة أنهم خضعوا للتعذيب.
وعليه، يحثّ "Advocacy Forum" حكومة النيبال لكي تباشر فوراً باعتماد مشروع القانون المتعلق بالتعذيب والذي لا يزال معلّقاً في البرلمان مع الأخذ بعين الاعتبار التعديلات التي أوصى المنتدى باعتمادها في تقرير التعذيب الذي أعدّه؛ والمصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة؛ وإنشاء آلية وطنية لمنع التعذيب وتعزيز دور اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان.
وفي بعض الدول، تبدّلت معالم الضحايا ووجوههم. ففي كينيا، وثقت منظمة "Independent Medico-Legal Unit " ارتفاع مستوى التعذيب بحق الباعة المتجوّلين وضدّ المجرمين في الاحتجاز. ويعدّ ذلك من التطوّرات الجديدة في البلاد بما أن التعذيب كان يستهدف في ما مضى الناشطين في مجال السياسة أو المدافعين عن حقوق الإنسان. ورغم هذا التحوّل، يبقى التعذيب بمثابة إساءة لاستخدام السلطة على يد جهات تنتمي للدولة وتتمتع بالنفوذ، كأفراد الشرطة.
من الواضح في كافة الدول أنّه يمكن لأي شخصٍ أن يقع ضحيةً للتعذيب، أياً كان عمره، أو جنسه، أو عرقه أو انتماؤه السياسي. ولكن، يتعرّض بعض الأفراد والمجموعات للإساءة والاعتداء أكثر من سواهم، وغالباً ما يكون هؤلاء الأشخاص من المهمّشين في المجتمع.
في البيرو، تستهدف أعمال التعذيب عادةً المثليات والمثليين ومزدوجي الميل الجنسي، ومغايري الهوية الجنسانية، وحاملي صفات الجنسين، بحسب ما أفادت دراسات التوثيق التي أجرتها "La Coordinadora Nacional de Derechos Humanos". كما سجّلت La Coordinadora أيضاً ارتفاعاً في ممارسات التعذيب وغيرها من أشكال المعاملة السيئة بحق المشاركين في المظاهرات: فقد كشفت الأنباء عن مقتل خمسة أشخاص وجرح 208 آخرين في المظاهرات خلال النصف الأول من العام 2015، وهو أعلى رقم شهدته البلاد على مرّ العقد الأخير من الزمن.
صحيح أنّ أنماط التعذيب قد تختلف بين دولةٍ وأخرى، إلاّ أنّ هذه الدول تتشارك في ما بينها عدداً من المخاوف والمشاكل. وقد تسهم الحكومات، من خلال القيام بخطواتٍ معينة أو الإحجام عن أيّ ردّ فعل على ممارسات التعذيب المنتشرة والنظامية، في التشجيع على إشاعة بيئة من الحصانة نادراً ما يلقى فيها الجناة أيّ عقاب على أفعالهم أو يحظى فيها الضحايا بإمكانيات حقيقية تتيح لهم الوصول إلى العدالة. في أغلب الأحيان، لا تتوفر لدى الشرطة والادعاء الإرادة الكافية، أو القدرة أو الاستقلالية لملاحقة مرتكبي التعذيب. ونتيجةً لذلك، يجد الناجون من التعذيب أنفسهم يفتقرون للمساندة التي يحتاجونها للوصول إلى العدالة، وإخضاع الجناة للمحاسبة، والحصول على جبر الضرر. وفي حال سعى الناجون من التعذيب فعلاً إلى العدالة، فسيواجهون خطر التعرّض لأعمال انتقامية تطالهم وتطال عائلاتهم. كما تشمل المشاكل الكبرى الأخرى المشتركة بين الدول ضعف الأطر القانونية المطبقة فيها والضمانات غير الملائمة لمواجهة التعذيب لا سيما في أماكن الاحتجاز.
لذلك، فإنّ الطريقة الوحيدة لوضع حدّ للحصانة تتمثل في الالتزام الحقيقي بالكشف عن جميع جرائم التعذيب، والتحقيق فيها وملاحقة مرتكبيها. وعلى حدّ تعبير السير نايجل رودلي، نائب الرئيس الحالي للجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والمقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بالتعذيب، في وقتٍ سابقٍ من الأسبوع الجاري، فإنّ أفضل وسيلة يمكن أن تعتمدها الحكومات لمعالجة مسألة الحصانة هي العمل على إنشاء "هيئة مستقلة للإدعاء العام، وجهاز تحقيق مستقل، وسلطة قضائية مستقلة".
فالمسؤولية تقع على كافة الدول في اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للقضاء على التعذيب في مجتمعاتها، ووضع حدّ للحصانة الممنوحة لمرتكبي أعمال التعذيب، ومساعدة الضحايا للشفاء من هذه الجرائم المشينة. وأيضاً، لا بد لنا جميعاً من أن ندين التعذيب أينما وجد، وأياً كانت هويات مرتكبي الجرم أو ضحاياه. فالحظر المطلق للتعذيب يعني أنّه لا يمكن أن يُسمح بحدوثه ولا يمكن تبريره في أيّ حال من الأحوال.
للمزيد من المعلومات، يرجى الاتصال:
ملاحظة للمحرّرين:
تتعاون المنظمات الموقعة على هذا البيان الصحفي في العمل على مشروع يمتدّ على ثلاث سنوات من تمويل الاتحاد الأوروبي ويهدف لوضع حدّ لحصانة مرتكبي التعذيب وتحقيق العدالة للناجين في كلّ من البيرو، وكينيا، وليبيا، والنيبال، حيث تنتشر ممارسات التعذيب بشكلٍ كبير.
يشكّل هذا البيان الصحفي جزءاً من حملةٍ أوسع نطاقاً تقودها هذه المنظمات من أجل وقف التعذيب بعنوان "نوقف التعذيب" #westoptorture. وقد عقدت المنظمات المشاركة في الحملة في 22 يونيو 2015 لقاءً لها على Google+ Hangout بعنوان التماس العدالة للناجين من التعذيب تبادلت خلاله التجارب والخبرات في ما بينها. كما شارك في اللقاء السير نايجل رودلي، نائب الرئيس الحالي للجنة المعنية بحقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والمقرّر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بالتعذيب. يمكنكم مشاهدة لقاء 22 يونيو على الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=k3_D04gaPa8.
لمعرفة المزيد عن هذه الحملة وللبقاء على اطلاع بآخر التطورات، الرجاء زيارة موقعنا الإلكتروني www.wecanstoptorture.org أو متابعتنا على تويتر @westoptorture.