يعرب ائتلاف المنظمات الليبية لحقوق الإنسان (يشار إليه في ما يلي بالائتلاف) عن تخوّفه من مسودة الدستور الأخيرة التي نشرتها الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور في 3 فبراير 2016. فإذا اعتمدت المسودة بصورتها الحالية، من شأنها تقويض حقوق الإنسان الأساسية في ليبيا على مدى الأجيال القادمة، فهي لا توفّر الحماية الكافية لبعض المجموعات العرضة للتمييز كالنساء والأقليات الإثنية والدينية والسياسية. وعليه، يعرب الائتلاف بعضاً من مخاوفه الملحّة ويناشد المكلفين بصياغة مشروع الدستور بتعديل المسودة مع أخذ هذه المخاوف بعين الاعتبار.
نشرت مسودة الدستور في فبراير 2016 كثمرةٍ للجهود التي بذلتها الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور وعملاً منها على توحيد التوصيات التي أصدرتها اللجان النوعية في ديسمبر من عام 2014. المسودة قيد النقاش حالياً من قبل أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور، الذين حسبما تفيد التقارير لم يتوفر لديهم النصاب من أجل التصويت على كلّ مادة إلا مؤخراً. وتواجه الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الآن ضغوطاً دولية ووطنية لإتمام مهامها رغم ما تتضمنه المسودة من حماية غير ملائمة لحقوق الإنسان، وصعوبة عقد استفتاء يشارك فيه الجميع بحرية في ظل الظروف الأمنية السائدة حالياً. بالإضافة إلى ذلك، أمام الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور واجب يتمثل في صياغة وثيقة شمولية يوافق عليها أكثر من الثلثين من ممثلي الشعب الليبي، كما هو منصوص عليه في الإعلان الدستوري. وبالتالي، فإنّ شرعية أي مسودة نهائية تصدر من دون تحقيق هذه الأكثرية تكون من الأرجح مشكوكاً بأمرها.
ويعرب الائتلاف عن تخوّفه من أنّ عدداً من الأحكام الواردة في باب الحقوق والحريات من مسودة فبراير 2016 قد أضعف بشكلٍ ملحوظ أشكال الحماية المنصوص عليها في النسخ السابقة. وكان قد سبق للمنظمات الأعضاء في الائتلاف، ولدول أعضاء عدة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أن أصدرت توصيات لليبيا خلال الاستعراض الدوري الشامل حرصاً على أن يضمن الدستور حقوق الإنسان بما يتسق مع المعايير الدولية. وافق ممثلوا الدولة الليبية على هذه التوصيات ولكنها لم تتحقق في مسودة الدستور الصادرة في فبراير 2016. وبالتالي، فإنّ موادّ عديدة تقدّم حماية أدنى من المعايير الدنيا المنصوص عليها للحقوق الأساسية بدلاً من أن تكرّس التزامات ليبيا الدولية في مجال حقوق الإنسان في الإطار القانوني المحلي. ويعدّ هذا الأمر مقلقاً بشكلٍ خاص كون الدستور يسعى أيضاً لفرض أحكام تحتلّ مرتبةً أعلى من التزامات ليبيا القانونية الدولية.
تفتقر مسودة الدستور إلى حماية شاملة لمبدأي المساواة وعدم التمييز. في وقتٍ تنصّ فيه المادة 9 والمادة 21 على المساواة عموماً، تدعو الحاجة إلى تصريح أكثر تفصيلاً لحماية المجموعات المعرضة لخطر تقييد حقوقها وحرياتها الأساسية. فلا تتضمن المسودة حالياً أي مادة تضمن الحق في الحرية الدينية أو أحكام صريحة لحماية الأقليات الإثنية والسياسية والثقافية والدينية وللأشخاص ذوي الإعاقة من التمييز. وتعدّ هذه الأحكام حيويةً لحماية الهوية والكرامة لجميع الأفراد في ليبيا.
إضافةً إلى ذلك، ورغم اعتراف مسودة فبراير 2016 بالمساواة بين المواطنين والمواطنات أمام القانون، إلا أنها تسمح بالتمييز على أساس النوع الاجتماعي وتكرّسه في أحكام أخرى. فعلى سبيل المثال، تحرم المرأة الليبية المتزوجة من أجنبي من حق منح الجنسية لأطفالها، فيمنع أطفال الليبية المتزوجة من أجنبي من الحصول على المواطنة والتمتع بالحقوق السياسية. في المقابل، يتمتع الرجل الليبي بحرية التزوج من أجنبية من دون أي تلحق به أي تداعيات من هذا النوع.
وتبقى عملية اكتساب الجنسية طويلةً بشكلٍ مرهق، وتخضع لشروط تعسفية من قبيل "المصلحة الوطنية، والمحافظة على التركيبة السكانية، وسهولة الاندماج في المجتمع الليبي". بالإضافة إلى ذلك، يؤدي احتمال سحب الجنسية ممن اكتسبها خلال العشر سنوات التالية بكل من يسعى إلى اكتساب الجنسية لقضاء فترة عدم استقرار من هذه الناحية تدوم 25 عاماً. وتستمر الصعوبات في الحصول على الجنسية في طرح تداعيات خطيرة على عدد كبير من الأقليات في ليبيا، الذين منعوا عبر التاريخ من الحصول على حقوق المواطنة، وبالتالي واجهوا صعوباتٍ في التمتع بحقوق الإنسان الأساسية كالرعاية الصحية، والتعليم، والمشاركة في الحياة السياسية.
بالإضافة إلى ذلك، فقد حذفت مسودة الدستور المواد التي تحظر العفو عمّن ارتكبوا انتهاكات حقوق الإنسان. ويعتبر منع أشكال العفو بمثابة خطوة حيوية للتشجيع على المساءلة التي تمثل حاجةً ملحةً من أجل منع وإحباط الجرائم المستمرة التي لا تزال ترتكب في ظل الحصانة المنتشرة في مختلف أنحاء ليبيا. وعليه، تكاد المسودة الدستورية الصادرة في فبراير 2016 تطرح خطر تكريس ثقافة الحصانة وتحرم الضحايا من العدالة والإنصاف.
وقد علّقت كلوي دنيس، منسقة برامج صياغة الدستور والإصلاح القانوني في منظمة محامون من أجل العدالة في ليبيا بقولها: "تتضمّن مسودة فبراير 2016 أحكاماً مقلقةً عديدة من شأنها أن تضعف أشكال الحماية اللازمة لليبيين جميعاً من أجل التمتع بحقوق الإنسان الأساسية والكرامة الأصيلة. ويعدّ الأمر مقلقاً بشكلٍ خاص بالنسبة إلى المجموعات والأفراد الذين يواجهون أصلاً خطر التهميش وانتهاك حقوقهم في ليبيا. فإن لم تؤخذ وجهات نظرهم بعين الاعتبار كما يلزم، وإن لم يلقوا التمثيل الملائم خلال عملية الصياغة، سيجبرون على العيش في دولةٍ تكرس فيها المعاملة التمييزية ضدهم في أعلى مصادر القانون في البلاد."
وبالتالي، يحث ائتلاف المنظمات الليبية لحقوق الإنسان المكلفين بصياغة مشروع الدستور على مقاومة الضغوط لاعتماد وثيقة "تصحيحية سريعة" تفتقر إلى الشرعية أو تغيب عنها أشكال الحماية الملائمة لجميع المقيمين في ليبيا. وقد أشارت الآنسة دنيس بقولها: "يجب أن يمثل الدستور النهائي وثيقةً واعدةً توفّر الاستقرار القانوني في بيئة غير مستقرة. لا ينبغي اعتبارها بمثابة قانون يقرّ الآن ليعدّل في وقت لاحق، لمجرّد اعتماد ما هو مؤاتٍ سياسياً، بما أنّ ذلك من شأنه أن يسمح بتكريس أشكال حماية غير ملائمة على مدى الأجيال القادمة."
ويبقى الائتلاف مستعداً لتقديم مساعدته التقنية إلى المكلفين بصياغة مشروع الدستور.
اضغط هنا لملخص 'المخاوف الملحة'
المنظمات الموقعة:
حركة النساء قادمات
جمعية ليبية و ابني غريب
جمعية الرحمة للأعمال الخيرية والإنسانية
المنظمة الوطنية الليبية لتنمية ذوي الإعاقة
محامون من أجل العدالة في ليبيا
الجمعية الليبية للثقافة التباوية
المركز الليبي لحرية الصحافة
منظمة قادة الأفكار